الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا فالذي يتعلق بالجنين ثلاثة أحكام :

                                                                                                                                            أحدها : وجوب الغرة .

                                                                                                                                            والثاني : أن تصير به الأمة أم ولد .

                                                                                                                                            والثالث : أن تنقضي به العدة ، وإذا كان كذلك فقد وصف الله تعالى حال الإنسان في مبادئ خلقه إلى استكماله فقال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين [ المؤمنون : 12 ] .

                                                                                                                                            وفيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن آدم وحده استل من طين وهو المخصوص بخلقه منه ، قاله قتادة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أراد كل إنسان ، لأنه يرجع إلى آدم الذي خلق من سلالة من طين ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                            وفي السلالة تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها الصفوة .

                                                                                                                                            والثاني : أنها القليل الذي ينسل .

                                                                                                                                            ثم ذكر حالة ثانية في الولد فقال تعالى ثم جعلناه نطفة في قرار مكين [ المؤمنون : 13 ] يعني به ذرية آدم المخلوقين من تناسل الرجال والنساء ، لأنه خلق من طين ولم يخلق من نطفة التناسل ، والنطفة هي ماء الذكر الذي يعلق منه الولد وهو أول خلق الإنسان .

                                                                                                                                            وقوله تعالى : في قرار يعني به الرحم مكين لاستقراره فيه ، فصارت النطفة في أول مبادئ خلقه كالغرس ، والرحم في إنشائه كالأرض .

                                                                                                                                            [ ص: 387 ] ثم ذكر حالة ثالثة هي للولد ثانية فقال تعالى : ثم خلقنا النطفة علقة [ المؤمنون : 14 ] والعلقة هي الدم الطري الذي انتقلت النطفة إليه حتى صارت علقة ، وسميت علقة لأنها أول أحوال العلوق ، والعلقة في حكم النطفة في أنه لم يستقر لها حرمة ولم يتعلق بها شيء من الأحكام الثلاثة بإجماع الفقهاء فلا تجب فيها غرة ، ولا تصير بها أم ولد ، ولا تنقضي بها العدة .

                                                                                                                                            ثم ذكر حالة رابعة هي للولد ثالثة فقال تعالى : فخلقنا العلقة مضغة [ المؤمنون : 14 ] والمضغة اللحم ، وهو أول أحوال الجسم ، سميت مضغة ، لأنها بقدر ما يمضغ من اللحم ، وهو الذي تقدم فيه الخلاف فأوجب فيه مالك غرة ، وأوجب فيه أبو حنيفة حكومة ، ولم يوجب فيه الشافعي شيئا ، ولا تصير به على قوله أم ولد وفي انقضاء العدة به قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : تنقضي به العدة لما فيه من استبراء الرحم .

                                                                                                                                            والثاني : لا تنقضي به العدة كما لا تصير به أم ولد ولا تجب فيه الغرة .

                                                                                                                                            ثم ذكر حالة خامسة وهي للولد رابعة قال تعالى : فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما [ المؤمنون : 14 ] فاحتمل خلق العظم واللحم على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكونا في حالة واحدة قد خلق عظما كساه لحما .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون في حالتين خلق في إحداهما عظما ثم كساه بعد استكمال العظم لحما فيكون اللحم حالة سادسة هي للولد خامسة .

                                                                                                                                            ثم ذكر حالة سابعة هي للولد سادسة فقال تعالى : ثم أنشأناه خلقا آخر [ المؤمنون : 14 ] وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه نفخ الروح فيه ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                            والثاني : أنه تميز ذكرا أو أنثى قاله الحسن ، ومحصول هذه الأحوال يرجع إلى ثلاثة أقسام : مضغة وما قبلها وما بعدها .

                                                                                                                                            فأما المضغة وما قبلها فقد ذكرناه ، وقلنا : إن ما قبل المضغة لا يتعلق به شيء من الأحكام الثلاثة ، وإن المضغة لا يتعلق بها ما سوى الغرة وفي العدة قولان :

                                                                                                                                            وأما ما بعد المضغة فتنقضي به العدة وما وجبت فيه الغرة من ذلك صارت به أم ولد ، والغرة فيه تختلف بحسب اختلاف أحواله بعد المضغة وله بعدها ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن لا يبين فيه صورة ولا تخطيط الصور فلا تجب فيه الغرة .

                                                                                                                                            [ ص: 388 ] والحال الثانية : أن يبين فيه إما صورة جميع الأعضاء وإما صورة بعضها كعين أو إصبع أو ظفر فتجب فيه الغرة لبيان خلقه ، سواء كانت الصورة ظاهرة للأبصار أو كانت خفية تظهر بوضعه في الماء الحار .

                                                                                                                                            والحالة الثالثة : أن يبين فيه التخطيط ولا يبين فيه الصورة فيتخطط ولا يتصور ، ففي وجوب الغرة فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تجب فيه الغرة لعدم التصوير .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : تجب فيه الغرة ، لأن التخطيط مبادئ التصوير .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية