الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ويتفرع على هذا الأصل فرع يحمل عليه نظائره .

                                                                                                                                            وصورته : في حر قطع إحدى يدي عبد ، ثم أعتق : فقطع ثان يده الأخرى ، ثم ذبح المقطوع فمات توجئة بالذبح .

                                                                                                                                            فلا يخلو حال الذابح من أحد ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            إما أن يكون هذا القاطع الأول فقد صار بالذبح قاطعا لسراية القاطع الثاني سواء اندمل قطعه ، أو لم يندمل ، فيجب على الثاني للوارث دون السيد القصاص في اليد ، أو نصف الدية ، لأنه قطعه بعد الحرية . وأما الأولى فقد قطع ثم ذبح فيعتبر القطع ، فإن كان قد اندمل قبل الذبح استقر حكمه ووجب فيه للسيد نصف القيمة دون القود ، لأنها جناية حر على عبد ، ووجب على القاطع بذبحه القود في النفس للوارث ، فإن عفا فعليه الدية : لأنها جناية حر على حر ، وإن لم يندمل قطعه حتى ذبحه سقط القصاص في القطع ، لأنه حر جنى على عبد ، ودخل أرشه في دية النفس ، لأنه لا يستحق مع دية النفس أرش قطع لم يندمل ، وعليه القود في النفس ، لأنها جناية حر على حر ، يستحقه الوارث دون السيد لحدوث سببه بعد العتق ، فإن اقتص الوارث سقط حق السيد من أرش القطع ، لأنه لا يجتمع قصاص وأرش .

                                                                                                                                            فإن عفا الوارث عن القود كان له دية حر ، للسيد منها أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا ، أو نصف ديته حرا قولا واحدا ، اعتبارا بأرش اليد ولو كان القطع لإصبع من اليد ، كان له أقل الأمرين من عشر قيمته عبدا ، أو عشر ديته حرا ، اعتبارا بأرش الإصبع .

                                                                                                                                            وإن كان الذابح هو القاطع الثاني فقد استقر قطع الأول القاطع في الرق سواء اندمل أو لم يندمل ، لأن حدوث الذبح بعده قاطع لسرايته فاستقر حكمه ، ووجب فيه نصف قيمته ، قلت أو كثرت ، ولا قود لأنه قطع حر لعبد ثم ينظر في القطع الثاني بعد العتق ، فإن كان قد اندمل قبل الذبح استقر حكمه في حق الوارث مع حكم الذبح ، وكان للوارث الخيار في القصاص والدية بين أربعة أشياء .

                                                                                                                                            بين القصاص في اليد ، والقصاص في النفس ، فيستوي بهما حقي القطع والذبح ، لأنهما من حر على حر ، وبين أن يقتص من اليد ، ويأخذ دية النفس ، وبين أن يقتص [ ص: 70 ] من النفس ويأخذ نصف الدية في اليد ، وبين أن يعفو عنها فيأخذ نصف الدية في اليد ، ودية كاملة في النفس ، فيحصل له باندمال اليد دية ونصف .

                                                                                                                                            ولو لم تندمل اليد فالوارث بالخيار في القصاص بين أربعة أشياء :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقتص من اليد والنفس ، فيستوفي بهما حقي القطع والذبح .

                                                                                                                                            والثاني : أن يقتص من اليد ، ويعفو عن القود في النفس فيحكم له بدية النفس ، وعندي أنه سهو إلا على قول أبي سعيد الإصطخري .

                                                                                                                                            والثالث : أن يقتص من النفس ، ويعفو عن القصاص في العبد ، فيسقط أرش اليد ، لاختصاصها قبل الاندمال بالقصاص دون الأرش .

                                                                                                                                            والرابع : أن يعفو عن القصاص في اليد والنفس فيحكم له بدية النفس ، ويسقط أرش اليد لدخوله في دية النفس .

                                                                                                                                            وإن كان الذابح أجنبيا استقر حكم القطعين وصارا وإن لم يندملا كالمندملين لما تعقبهما من التوجئة القاطعة لسرايتها ، وكان على القاطع الأول للسيد نصف قيمته عبدا دون القود : لأنها جناية حر على عبد ، وعلى القاطع الثاني للوارث القصاص في اليد : فإن عفا عنه فنصف الدية : لأنها جناية على حر وعلى الذابح القود في النفس ، فإن عفا الوارث عنه فله دية النفس كاملة ، لأنها جناية حر على حر ، ولا تنقص بالمأخوذ من أرش اليدين لما جرى عليهما من حكم الاندمال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية