الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإذا حكمنا على أهل العقد ألزمنا عواقلهم الذين تجري أحكامنا عليهم فإن كانوا أهل حرب لا يجري حكمنا عليهم ألزمنا [ ص: 369 ] الجاني ذلك ولا يقضى على أهل دينه إذا لم يكونوا عصبة لأنهم لا يرثونه ولا على المسلمين لقطع الولاية بينهم وأنهم لا يأخذون ماله على الميراث إنما يأخذونه فيئا .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا جنى الذمي في دار الإسلام جناية خطأ فله حالتان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون له عاقلة من مناسبيه .

                                                                                                                                            والثاني : أن لا يكون له عاقلة مناسبون ، فإن كان له عاقلة من ذوي نسبه لم يخل حالهم من أحد أمرين : إما أن يكونوا مسلمين أو غير مسلمين ، فإن كانوا مسلمين لم يعقلوا عنه كما لم يرثوه ، لأن اختلاف الدين قاطع للموالاة بينهم ، وإن كانوا كفارا غير مسلمين فسواء اتفقت أديانهم فكان القاتل وعاقلته يهودا كلهم أو اختلفت أديانهم فكان القاتل يهوديا وعاقلته نصارى : لأن الكفر كله ملة واحدة ، ولا يخلو حالهم من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تجري عليهم أحكامنا أو لا تجري عليهم ، فإن لم تجر عليهم أحكامنا لمقامهم في دار الحرب كان الجاني كمن لا عاقلة له على ما سنذكره لانقطاع الموالاة بين أهل الذمة وأهل الحرب ، واختلافهم في التناصر ، وظهور ما بينهم من التقاطع والتدابر ، ولهذا المعنى لم يتوارثوا ، فكذلك لأجله لم يعقلوا ، وإن جرت أحكامنا على عاقلة لكونهم من أهل ذمة حكمنا عليهم بالعقل .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يعقلون عنه إن شاركوه في النسب ووافقوه في الذمية احتجاجا بأنهم مقهورون بالذمة ولا يتناصرون فيها فبطل التعاقل بينهم لذهاب التناصر منهم ، وهذا خطأ لأن ثبوت الأنساب التي يتوارثون بها توجب تحمل العقل بها كالمسلمين وهم لا يتناصرون على الباطل ويتناصرون على الحق كذلك المسلمون .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية