الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن صرخ الجنين أو تحرك ولم يصرخ ثم مات مكانه فديته تامة وإن لم يمت مكانه فالقول قول الجاني وعاقلته إنه مات من غير جناية .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا ألقت من الضرب جنينا حيا ثم مات ففيه الدية كاملة ، إن كان ذكرا فمائة من الإبل ، وإن كان أنثى فخمسون من الإبل وحياته تعلم بالاستهلال تارة ، وبالحركة القوية أخرى ، والاستهلال هو الصياح والبكاء ، وفي معناه العطاس والأنين .

                                                                                                                                            وأما الحركة القوية فمثل ارتضاعه ، ورفع يده ، وحطها ، ومد رجله وقبضها ، وانقلابه من جنب إلى جنب إلى ما جرى هذا المجرى من الحركات التي لا تكون إلا في حي .

                                                                                                                                            فأما الاختلاج والحركة الضعيفة فلا تدل على الحياة ، لأن لحم الذبيحة قد يختلج ولا يدل على بقاء الحياة ، وإنما تثبت حياته بأحد أمرين :

                                                                                                                                            استهلال ، أو حركة قوية .

                                                                                                                                            وبه قال أبو حنيفة وأكثر الفقهاء .

                                                                                                                                            وقال مالك : تثبت حياته بالاستهلال ولا تثبت بالحركة .

                                                                                                                                            وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين .

                                                                                                                                            واختلفوا في العطاس : هل يكون استهلالا ؟ فأثبته بعضهم ونفاه آخرون ، واستدلوا على أن ما عدا الاستهلال لا تثبت به الحياة بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا استهل المولود صلي عليه وورث فخص الاستهلال بحكم الحياة فدل على أنه لا يثبت بغيره .

                                                                                                                                            [ ص: 400 ] ولأنه لما استوى حكم قليل الاستهلال وكثيره في ثبوت الحياة وجب أن يستوي حكم قليل الحركة وكثيرها في عدم الحياة .

                                                                                                                                            ودليلنا : هو أن ما دل على حياة الكبير دل على حياة الصغير كالاستهلال ، ولأن من دل الاستهلال على حياته دلت الحركة على حياته كالكبير .

                                                                                                                                            فأما الخبر ففيه نص على الاستهلال وتنبيه على الحركة ، وأما قليل الحركة فما خرج عن حد الاختلاج دل على الحياة من قليل وكثير ، وما كان اختلاجا فليس بحركة فقد استوى حكم الحركة في قليلها وكثيرها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية