الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا أشرع من داره جناحا على طريق نافذة جاز إذا لم يضر بمار ولا مجتاز ، وكذلك إذا أراد إخراج سماط يمده على عرض الطريق مكن إن لم يضر ومنع إن أضر ، فاختلف أصحابنا في حد ضرره ، فقال أبو عبيد بن حربويه : ما ناله رمح الفارس مضر ، وما لم ينله رمحه غير مضر .

                                                                                                                                            وقال جمهور أصحابنا : إن ما لا يناله أشرف الجمال إذا كان عليها أعلى العماريات فهو غير مضر وما يناله ذلك فهو مضر ، وهذا الحد عندي على الإطلاق غير صحيح ، بل يجب أن يكون معتبرا بأحوال البلاد ، فما كان منها تسلكه جمال العماريات كان هذا حد ضرره ، وما كان منها لا تسلكه جمال العماريات وتسلكه الأجمال ، كان الجمل بحمله حد ضرره ، وما كان منها لا تسلكه الجمال وتسلكه الخيل بفرسانها كان أشرف الفرسان على أشرف الخيل حد ضرره ، وما كان منها لا تسلكه الخيل ولا الركاب كجزائر في البحر وقرى في البطائح كان أطول الرجال بأعلى حمل على رأسه هو حد ضرره : لأن عرف كل بلد أولى أن يكون معتبرا من عرف ما عداه ، إذا كان غير موجود فيه وإذا كان غير مضر أقر ولم يكن لأحد أن يعترض عليه ولا يمنعه منه .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يقر على ما لا يضر إذا لم يعترض عليه أحد من المسلمين ، فإن اعترض عليه أحدهم منع منه وأخذ بقلعه احتجاجا بأنه لما منع من بناء دكة في عرصة الطريق منع من إشراع جناح في هوائه ، وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : ما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر بدار العباس بن عبد المطلب فقطر عليه من ميزابها ماء فأمر بقلعه ، فخرج العباس وقال : قلعت ميزابا نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ؟ فقال عمر : والله لا صعد من يعيد هذا الميزاب إلا على ظهري . [ ص: 382 ] فصعد العباس على ظهره حتى أعاد الميزاب إلى موضعه فدل ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نصبه ومن عمر في إعادته ومن الصحابة في إقرارهم عليه على أنه شرع منقول وفعل متبوع .

                                                                                                                                            والثاني : مشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم له إلى ما وطئه من البلاد وفيها الأجنحة والميازيب فما أنكرها وأقر أهلها عليها ، وجرى خلفاؤه وصحابته رضي الله عنهم على عادته في إقرارها بعد موته ، وقد سلكوا من البلاد أكثر مما سلك ، وشاهدوا من اختلاف أحوالها أكثر مما شاهد ، فلم يوجد أحد عارض فيه أحدا ، فدل على انعقاد الإجماع فيه وزوال الخلاف عنه ، وخالفت الأجنحة الدكاك ، لأن الدكاك مضرة بالمجتازين مضيقة لطرقاتهم وليس في الأجنحة مضرة ولا تضييق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية