الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 26 ] مسألة : قال الشافعي : ومن جرى عليه القصاص في النفس جرى عليه القصاص في الجراح .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح كل شخصين جرى بينهما القصاص في النفس جرى القصاص بينهما في الأطراف والجراح ، سواء اتفقا في الدية كالحرين المسلمين أو اختلفا في الدية ، كالرجل والمرأة والعبيد إذا تفاضلت فيهم ، وإن لم يجز القصاص بينهما في النفس لم يجز في الأطراف كالمسلم مع الكافر والعبد مع الحر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن اختلفت دياتهما جرى القصاص بينهما في النفس دون الأطراف كالرجل مع المرأة بقتله بها ، ولا يقطع يده بيدها ، والعبيد إذا تفاضلت قيمهم ، وقل أن تكون متفقة . فيوجب القود بينهم في النفوس ، ويسقطه في الأطراف ، استدلالا بأن التساوي معتبر في الأطراف دون النفوس : لأنه لا يجوز أن تؤخذ اليد السليمة بالشلاء ، وتؤخذ النفس السليمة بالنفس السقيمة ، فلم يمنع تفاضل الديات من القود في النفوس ، ومنع من القود في الأطراف ، ولأن أطراف الرجل أعم نفعا من أطراف المرأة لاختصاصها بالتصرف في الأعمال والاكتساب ، فلم تكافئها أطراف المرأة فسقط القود فيها .

                                                                                                                                            ودليلنا قول الله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين إلى قوله : والجروح قصاص [ المائدة : 45 ] فكان على عمومه .

                                                                                                                                            ولأن كل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس جرى في الأطراف كالرجلين .

                                                                                                                                            ولأن كل قصاص جرى بين الرجلين والمرأتين جاز أن يجري بين الرجل والمرأة كالنفوس ، وكل قصاص جرى بين الحرين جرى بين العبدين كالنفوس ، وقد مضى الجواب عن استدلاله باعتبار التكافؤ في الأطراف دون النفس بأنه معتبر في الأمرين ، وفي الشلل حكم نذكره في موضعه ، وما ذكره من اختصاص أطراف الرجل بالمنافع فيفسد من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : ما اتفقوا عليه من أخذ يد الكاتب والصانع والمحارب بيد من ليس بكاتب ولا صانع ولا محارب .

                                                                                                                                            والثاني : أن في يد المرأة منافع ليست في يد الرجل فتقابلا .

                                                                                                                                            والثالث : أن أطراف العبيد تماثل في المنافع ، ولا يجري فيها قود ، فبطل هذا الاعتبار وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية