الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن لم يخرج عفوه مخرج الوصية بل كان عفوا وإبراء محضا فالعفو والإبراء لا ينتقل من جهة من وجبت عليه الدية إلى غيره بخلاف الوصية ، سواء أجرى عليه حكم الوصية أو حكم الإسقاط ، إلا أنه إن جرى عليه حكم الوصية كان عفوا عن جميع الدية ، وإن جرى عليه حكم الإسقاط كان عفوا عما وجب بابتداء الجناية دون ما حدث عنها ، لأن الإبراء منه كان قبل وجوبه ، وإذا كان كذلك لم يخل حال عفوه من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتوجه إلى الجاني فيقول : قد عفوت عنك وعما يحدث بجنايتك .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن الدية وجبت ابتداء على العاقلة لم يبرءوا منها ، وكانوا مأخوذين بها ، لأن العفو عن غيرهم ، وإن قيل : إنها وجبت في الابتداء على الجاني ثم تحملها العاقلة عنه صح العفو عنها وبرئت العاقلة منها لتوجه العفو إلى محل الوجوب ، سواء جعل هذا العفو في حكم الوصايا أو الإبراء ، وسواء أجيزت الوصية للقاتل أو ردت ، لأن وجوب الدية على الجاني غير مستقر لانتقالها في الحال عنه إلى عاقلته فلم يكن في الوصية بها ما يمنع القتل منها إذا لم ينتقل إليه مالها ، لكن إن أجري عليه حكم الوصية كان عفوا عن جميع الدية ، وإن أجري عليه حكم الإبراء أو الإسقاط كان عفوا عما وجب بابتداء الجناية دون ما حدث بعدها بالسراية فيلزم العاقلة ما حدث بالسراية دون ما لزم بابتداء الجناية .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يتوجه العفو إلى العاقلة فيقول : قد عفوت عن عاقلتك في جنايتك وما يحدث منها فيصح العفو عنهم ، سواء قيل بوجوبها عليهم ابتداء أو تحملا ، لأنهم محل استقرارها ، ولا مطالبة على الجاني بها ، لانتقالها عنه إلى من برئ منها ، لكن إن أجرى على العفو حكم الوصية كان عفوا عن جميع الدية ، وإن أجرى عليه حكم الإبراء كان عفوا عما وجب بابتداء الجناية ، وتؤخذ العاقلة بما حدث بالسراية .

                                                                                                                                            [ ص: 207 ] والقسم الثالث : أن يكون العفو مطلقا فيقول : قد عفوت عنها وعما يحدث منها ، فيصح العفو على الأحوال كلها ، لتوجه العفو المطلق إلى محل الحق ، لكن إن أجرى عليه حكم الوصية صح في جميع الدية ، وإن أجرى عليه حكم الإبراء صح فيما وجب بالجناية وبطل فيما حدث بالسراية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية