الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : فإن قامت البينة أنها لم تزل ضنية من الضربة حتى طرحته لزمه وإن لم تقم بينة حلف الجاني وبرئ .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة حال المرأة في ضمان جنينها ينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تدعي على رجل أنه ضرب بطنها حتى ألقت جنينا ميتا فينكر الجاني الضرب ، فالقول قوله مع يمينه لبراءة ذمته إلا أن تأتي بينة تشهد عليه بضربها فيحكم بها ، ويلزمه دية جنينها ، وبينتها عليه شاهدان أو شاهد وامرأتان ، ولا يقبل منها شهادة النساء المنفردات .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يعترف بضربها وينكر أنه جنينها ويدعي أنها التقطته فالقول قوله مع يمينه لبراءة ذمته إلا أن تقيم بينة على إسقاطه وبينتها شاهدان أو شاهد وامرأتان ، أو أربع نسوة عدول ، لأنها بينة على ولادة ، فإن شهدت البينة أنها أسقطت هذا الجنين الميت ، بعينه ، حكم لها بإسقاطه وديته ، وإن شهدوا أنها ألقت جنينا ولم يعينوه في الجنين الذي أحضرته فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يشهدوا لها بموت الذي ألقته وإن لم يعينوه فيحكم لها بالدية ، لأنهم قد شهدوا لها بجنين مضمون وتعيينه لا يفيد .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يشهدوا بموته فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون لمدة لا يعيش لمثلها فيحكم لها بديته .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون لمدة يجوز أن يعيش لمثلها لم يقبل قولها في موته ، لأن الذي أحضرته ميتا لم يشهدوا لها بإسقاطه والذي شهدوا بإسقاطه لم يشهدوا لها بموته .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يعترف بضربها وإسقاط جنينها فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تلقيه عقيب ضربها ، فالظاهر أنها ألقته ميتا من ضربة وإن جاز أن تلقيه من غيره فعليه دية الجنين ، فإن ادعى أنها ألقته من غير الضرب من طلق أو شرب دواء كان القول قولها مع يمينها ، لأن الظاهر معها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تلقيه بعد زمان طويل من ضربها ، فإن لم تزل ضنية مريضة من وقت الضرب إلى وقت الإسقاط فالظاهر من إلقائه ميتا أنه من الضرب ، فتجب ديته [ ص: 399 ] على الضارب فإن ادعى عليها إسقاطه من غيرها أحلفها وضمن ديته ، فإن سكن ألمها بعد الضرب وألقته بعد زوال الألم فالظاهر أنها ألقته من غير الضرب فلا تلزمه ديته ، فإن ادعت أنها ألقته من ضربه أحلفته ، وليس يحتاج في هذه الأحوال كلها عند التنازع إلى بينة ، لأن البينة تشهد بالظاهر وحكم الظاهر معروف ، ولكن لو ادعت بعد تطاول المدة أنها ألقته من ضربه وأنكرها ، فإن قامت البينة على أنها لم تزل ضنية مريضة حتى ألقته كان القول قولها ، فإن أنكر أن يكون من ضربه أحلفها ، وإن لم تقم البينة بمرضها فالقول قوله ولها إحلافه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية