الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : ولو قطع يد نصراني فأسلم ثم مات لم يكن قود لأن الجناية كانت وهو ممن لا قود فيه وعليه دية مسلم ولا يشبه المرتد لأن قطعه مباح كالحد ، والنصراني يده ممنوعة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا قطع مسلم يد نصراني فأسلم ثم سرى القطع إلى نفسه فمات لم يجب فيه القود ووجب فيه دية مسلم ، اعتبارا في القود بحال الجناية وفي الدية باستقرار السراية ، وإنما اعتبر في القود بحالة الجناية لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما كان النصراني لو قطع يد نصراني ، ثم أسلم القاطع ومات [ ص: 53 ] المقطوع ، لم يسقط القود عن القاطع بإسلامه اعتبارا بوجوبه حال الجناية ، ووجب إذا انعكس في المسلم إذا قطع يد نصراني ثم أسلم المقطوع أن لا يجب على القاطع القود ، اعتبارا بسقوطه عنه حال الجناية .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما صح في هذه الجناية إسقاط بالكفر عند الجناية ، وإيجاب بالإسلام عند السراية ، وجب أن يغلب حكم الإسقاط على حكم الإيجاب ، لأنه يصح فيه إسقاط ما وجب ، ولا يصح فيه إيجاب ما سقط ، واعتبرنا في الدية استقرارها بعد السراية لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما اعتبرنا استقرار السراية فيما زاد في الموضحة إذا صارت نفسا في إيجاب الدية الكاملة بعد أن وجب نصف عشرها ، وفيما نقص بقطع اليدين والرجلين إذا سرت إلى النفس في إيجاب دية واحدة بعد وجوب ديتين وجب أن يكون بمثابتهما ما حدث من زيادة الدية بالإسلام .

                                                                                                                                            والثاني : أن حدوث الزيادة في المضمون ملتزمة كزيادة المغصوب ، فلما ذكرنا من هذين وقع الفرق في اعتبار القود بحال الجناية واعتبار الدية بعد استقرارها بالسراية ، وهكذا لو جرح الحر عبدا فأعتق ثم مات لم يجب عليه القود : لأنه جرحه وهو عبد ، ووجبت عليه دية حر لاستقرارها فيه وهو حر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية