الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : وإذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم قتل من كل صنف مكافئ دمه منهم الذكر قتل بالذكر وبالأنثى ، والأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر .

                                                                                                                                            قال الماوردي : والمكافأة معتبرة في وجوب القصاص على تفصيل أقسامها ، وهي منقسمة ثلاثة أقسام : مكافأة في الأجناس ، ومكافأة في الأنساب ، ومكافأة في الأحكام .

                                                                                                                                            فأما مكافأة الأجناس : فهو الذكور بالذكور والإناث بالإناث : فهو غير معتبر عند الفقهاء بأسرهم ، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين فيجوز أن يقتل الذكر بالذكر وبالأنثى ، وتقتل الأنثى بالأنثى وبالذكر .

                                                                                                                                            وحكى الحسن البصري عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - أنه قال : لا يقتل الذكر بالأنثى إلا أن يؤخذ منها نصف الدية ثم يقتل بها .

                                                                                                                                            [ ص: 9 ] وبه قال عطاء استدلالا بقول الله تعالى : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى [ البقرة : 178 ] فلما لم يتكافأ الأحرار والعبيد لم يتكافأ الذكور والإناث : ولأن تفاضل الديات تمنع من التماثل في القصاص كما يمنع تفاضل القيم في المتلفات من التساوي في الغرم .

                                                                                                                                            ودليلنا قول الله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [ المائدة : 45 ] فعم من غير تخصيص .

                                                                                                                                            وروى أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض ، والسنن ، وأنفذه مع عمرو بن حزم ، وكان فيه يقتل الذكر بالأنثى وهذا نص .

                                                                                                                                            وروى قتادة عن أنس بن مالك أن يهوديا مر بجارية عليها حلي لها ، فأخذ حليها ، وألقاها في بئر فأخرجت وبها رمق ، فقيل : من قتلك ؟ قالت : فلاناليهودي ، فانطلق به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعترف فأمر به فقتل .

                                                                                                                                            ولأن الأحكام ضربان : ضرب تعلق بحرمة كالحدود فيستوي فيه الرجل والمرأة ، وضرب تعلق بالمال كالميراث : فتكون المرأة فيه على النصف من الرجل والقود متعلق بالحرمة فاستوت فيه المرأة والرجل .

                                                                                                                                            والدية متعلقة بالمال فكانت المرأة فيه على النصف من الرجل .

                                                                                                                                            ولأن القصاص إن وجب فبذل المال معه لا يجب وإن لم يجب القصاص فبذل المال لا يجب .

                                                                                                                                            فأما قوله : والأنثى بالأنثى فليس يمنع قتل الأنثى بالأنثى من قتل الذكر بالأنثى : لأن الحكم المعلق بعين لا يقتضي نفيه عما عداها .

                                                                                                                                            وأما اختلاف الديات فلا يمنع من التماثل في القصاص كتفاضل الديات بين أهل الكتاب والمجوس وهم متساوون في القصاص .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية