الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : ولو فقأ عيني عبد قيمته مائتان من الإبل فأعتق فمات لم يكن فيه إلا دية لأن الجناية تنقص بموته حرا وكانت الدية لسيده دون ورثته ( قال المزني ) رحمه الله : القياس عندي أن السيد قد ملك قيمة العبد وهو عبد فلا ينقص ما وجب له بالعتق .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا أن كل ما وجب في الحر منه دية وجب في العبد منه قيمة ، وما وجب في الحر منه نصف الدية كان في العبد منه نصف القيمة : وما وجب في الحر منه حكومة كان في العبد ما نقص من قيمته ، ويجتمع في العبد قيم كما تجتمع في الحريات ، فإن سرت الجناية إلى النفس لم يجب فيها أكثر من قيمة في العبد ، ودية في الحر .

                                                                                                                                            فإذا استقر هذا الأصل فصورة مسألتنا : في حر فقأ عيني عبد قيمته ديتان قدرهما الشافعي بمائتين من الإبل ، وإن لم يقوم العبد بالإبل ، وذلك بقدرهما بألفي دينار لأنه أشبه بالقيم فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يبقى العبد على رقه حتى تستقر الجناية ، إما بالاندمال أو بالسراية فيجب على الجاني إن اندملت ألفا دينار ، وإن سرت إلى النفس فمات ألفا دينار أيضا ، ويستوي حكم الجناية في الاندمال أو السراية ، لأن الواجب فيهما قيمة كاملة ، ولو فقأ إحدى عينيه وجب فيها نصف قيمته إن اندملت ، وهو ألف دينار ، وإن سرت إلى نفسه وجب فيها جميع قيمته وهو ألفا دينار .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يعتقه السيد بعد الجناية عليه فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تستقر الجناية بالاندمال فيجب فيها القيمة الكاملة ألفا دينار ، سواء كان العتق قبل الاندمال أو بعده لأن ما اندمل ولم يسر - اعتبر فيه وقت الجناية وكان الاندمال معتبرا في الاستقرار دون الوجوب ، كما لو فقأ عيني نصراني فأسلم ثم اندملت عيناه وجب فيهما دية نصراني ، وإن كان عند الاندمال مسلما . كذلك العبد إذا اندملت عيناه بعد عتقه وجب فيهما قيمته عبدا ، وإن كان عند الاندمال حرا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تسري الجناية إلى نفسه وقد أعتقه السيد قبل موته فيجب فيها دية حر ، وذلك ألف دينار ، لأنها إذا سرت إلى النفس اعتبر بها وقت السراية دون الجناية ، لدخول الأطراف في النفس ، هذا مذهب الشافعي وجمهور أصحابه .

                                                                                                                                            وقال المزني : يجب فيها ألفا دينار اعتبارا بوقت الجناية استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن السيد قد ملك بالجناية ألفي دينار هي قيمة عبده ، والعتق الذي هو قربة إن لم يزده خيرا لم يزده شرا .

                                                                                                                                            [ ص: 60 ] والثاني : أن الاندمال غاية كالسراية ، ثم كان الاندمال بعد العتق يقتضي نقص قيمته ، كذلك السراية ، وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما اختلف الاندمال والسراية في نقصان القيمة ، وجب أن يختلفا في زيادة القيمة ، قيمته عبدا ، لأنه لو كان قيمته مائة دينار ثم اندملت بعد عتقه وجب فيها مائة دينار ولو سرت إلى نفسه وجب فيها ألف دينار ديته حرا ، كذلك إذا كانت قيمته ألفا دينار وجب فيها إذا اندملت ألفان ، وإذا سرت إلى النفس ألف .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما اختلف الاندمال والسراية في ديات الأطراف حتى لو قطع يديه ورجليه ، وجب في الاندمال ديتان ، وفي السراية دية واحدة ، وجب أن يختلفا في قدر الدية فيجب إذا اندملت ألفا دينار ، وإذا سرت ألف واحد ، وهذا دليل وانفصال ، والخير المستزاد بالعتق هو الثواب ، ونقصان القيمة فيه ليس بشر ، وإنما هو الإبراء والمعونة فصار خيرا أيضا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية