[ ص: 17 ] قال الماوردي : لا يقتل الحر بعبده وبعبد غيره .
وقال أبو حنيفة : يقتل الحر بعبد غيره ، ولا يقتل بعبد نفسه استدلالا بعموم قول الله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [ المائدة : 45 ] ورواية علي بن أبي طالب - عليه السلام - : أنه قال : " " فاعتبر المكافأة بالإسلام وقد استوى الحر والعبد فيه فوجب أن يتكافأ دمهما ويجري القود بينهما ، ومن الاعتبار أن كل من قتل بالحر قتل به الحر كالحر ، ولأن الرق مؤثر في ثبوت الحجر ، وما ثبت به الحجر يمنع من استحقاق القود على من ارتفع عنه الحجر كالجنون والصغر ، ولأنه لما جاز أن يقتل به الحر دفعا جاز أن يقتل به قودا . المسلمون تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم
ودليلنا قوله تعالى : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد [ البقرة : 178 ] فاقتضى هذا الظاهر أن لا يقتل حر بعبد .
وروى سليمان بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . لا يقتل حر بعبد
ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهذا نص لا يسوغ خلافه .
وروى إسرائيل عن جابر عن عامر عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : " من السنة ألا يقتل مسلم بكافر ، ومن السنة ألا يقتل حر بعبد " يعني : سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يقوم مقام الرواية عنه ، وليس له في الصحابة مخالف ، فصار مع السنة إجماعا ، ومن الاعتبار أن حرمة النفس أغلظ من حرمة الأطراف ، فلما لم يجب القود بينهما في الأطراف ، فأولى أن لا يجري بينهما في النفس .
وتحريره قياسا أن كل شخصين امتنع القود بينهما في الأطراف امتنع في النفس كالوالد مع ولده طردا ، وكالحربي عكسا ، ولأن كل قود سقط بين المسلم والكافر المستأمن سقط بين الحر والعبد كالأطراف .
فإن قيل : الأطراف تعتبر فيها المماثلة لأنه لا تؤخذ السليمة بالشلاء المريضة ، ولا تؤخذ الأيدي بيد واحدة ، والمماثلة غير معتبرة في النفوس لقتل الصحيح بالمريض ، والجماعة بالواحد ، فكذلك جرى القود بين الحر والعبد في النفس ، وسقط في الأطراف .
قيل : هما عندنا سواء ، والمماثلة المعتبرة فيهما واحدة : لأننا نقطع الأيدي بيد [ ص: 18 ] واحدة : وإن خالفتمونا فيه ، ونقتل الصحيح بالمريض كما كما لا يقتل الحي بالميت ، لأن الشلاء ميتة . نقطع اليد الصحيحة بالعليلة ، ولا نقطعها باليد الشلاء
فإن قيل : فقد فرقتم بين قطع الشلاء في وجوب الأرش فيهما ، وبين استهلاك الميت في سقوط الأرش فيه .
قيل : لأن الشلاء متصلة بحي ، وفيها جمال ، فجاز أن يجب الأرش بقطعها مع موتها : كما يجب في الشعر مع كونه عندكم ميتا ، ولأن الرق حادث عن الكفر فلما سقط به القود عن المسلم وجب أن يكون ما حدث فيه من الرق بمثابته في سقوط القود عن الحر ولأن النقص بالرق يمنع من استحقاق القود على الحر كالسيد مع عبده ، ولأنه لما سقط عنه الحد بقذفه فأولى أن يسقط عنه القود بقتله لأن حرمة النفس أغلظ .
فأما الجواب عن الآية فهو أنها تضمنت نفسا وأطرافا فلما خرج العبيد من حكم الأطراف خرجوا من حكم النفوس .
وأما الخبر فقد قال فيه يريد به العبيد ، ومن كان أدناهم لم يجز أن يؤخذ بالأعلى . ويسعى بذمتهم أدناهم
وأما قياسهم على الحر ، فالمعنى فيه جريان القود في الأطراف فجرى في النفوس ولا يجري في الأطراف بين الحر والعبد ، فلم يجر في النفوس ، وكذلك الجواب عن تعليلهم بتأثير الحجر كالجنون والصغر ، وقد مضى الجواب عن جمعهم بين قتل الدفع وقتل القود ، وليس لما تناكرته العامة ، ونفرت منه الخاصة مساغ في اختلاف الفقهاء .
حكي أن بعض فقهاء خراسان سئل في مجلس أميرها عن قتل الحر بالعبد فمنع منه وطولب بالدليل عليه . فقال : أقدم قبل الدليل حكاية إن احتجت بعدها إلى دليل فعلت ، ثم قال : كنت أيام تفقهي ببغداد نائما ذات ليلة على شاطئ دجلة فسمعت ملاحا يترنم وهو يقول :
خذوا بدمي هذا الغلام فإنه رماني بسهمي مقلتيه على عمد ولا تقتلوه إنني أنا عبده
ولم أر حرا قط يقتل بالعبد
[ ص: 19 ] فصل : واستدل النخعي وداود على قتل السيد بعبده بما رواه قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وفي رواية أخرى من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه . ومن خصا عبده خصيناه
والدليل عليهما رواية الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبده فجلده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقده به ، وأمره أن يعتق رقبة ، وهذا نص وما أمر به من جلده ونفيه تعزير .
فأما الخبر المستدل به فضعيف : لأن الحسن لم يرو عن سمرة إلا ثلاثة أحاديث ليس هذا منها .
وقد روى قتادة عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : . لا يقتل حر بعبد
ولو صح لحمل على أحد وجهين : إما على طريق التغليظ والزجر لئلا يتسرع الناس إلى قتل عبيدهم ، وإما على من كان عبده فأعتقه فإنه يقاد به ، وإن كان من قبل عتقه لا يقاد به والله أعلم .