مسألة : قال  الشافعي      :  وإن شدخه بحجر أو تابع عليه الخنق أو والى عليه بالسوط حتى يموت أو طين عليه بيتا بغير طعام ، ولا شراب ، مدة الأغلب أنه يموت من مثله أو ضربه بسوط في شدة برد أو حر ونحو ذلك مما الأغلب أنه يموت منه فمات   فعليه القود .  
قال  الماوردي      : أما القتل بالمثقل وما يقتل مثله في الأغلب من الخنق والحرق والتغريق ، وما أشبه ، ففيه القود على ما سنصفه .  
وبه قال  مالك   ،  وابن أبي ليلى   ،  وأبو يوسف   ،  ومحمد      .  
وقال  أبو حنيفة      : لا قود في المثقل إلا أن يكون حديدا كالعمود ، ولا قود في غير المثقل إلا أن يكون بالنار ، استدلالا بظاهر ما رواه  الزهري   عن  سعيد بن المسيب   عن  ابن أبي هريرة   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  لا قود إلا بالسيف     .  
وروى  عاصم بن ضمرة   عن  علي بن أبي طالب      - عليه السلام - أنه قال : " لا قود إلا بحديدة "     .  
وروى  جابر   عن  أبي عازب   عن  النعمان بن بشير   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  كل شيء خطأ إلا السيف وفي كل خطأ أرش     .  
 [ ص: 36 ] وروى  القاسم بن ربيعة   عن  عبد الله بن عمر   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال على درج  الكعبة   يوم الفتح :  الحمد لله الذي صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها     .  
وروى  إبراهيم   عن  عبيد   عن  المغيرة بن شعبة   قال :  ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديتها على عصبتها     .  
وهذه كلها نصوص في سقوط القود بالمثقل .  
ومن طريق المعنى : أنه لما لم يقع الفرق في المحدد بين صغيرة وكبيرة في وجوب القود ، اقتضى أن لا يقع الفرق في المثقل بين صغيرة وكبيرة في سقوط القود . ودليلنا قول الله تعالى :  ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا      [ الإسراء : 33 ] وهذا قتل مظلوما فوجب أن يكون لوليه القود .  
وروى  شعبة   عن  هشام بن زيد   عن جده  أنس بن مالك   أن جارية كان عليها أوضاح فرضخ رأسها يهودي بحجر ، فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبها رمق فقال لها : من قتلك ؟ وذكر لها جماعة وهي تشير برأسها إلى أن ذكر اليهودي فأشارت برأسها نعم فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتل بين حجرين .  
فإن قيل : إنما قتله لنقض عهده لا لقتله فعنه جوابان :  
أحدهما : أنه حكم ورد على سبب فوجب أن يكون محمولا عليه .  
والثاني : أنه لما قتله بمثل ما قتل من الحجر دل على أنه مماثلة قود لا لنقض عهده .  
وحكى  الساجي   عن  بشر بن المفضل   قال : قلت  لأبي حنيفة      : يجب  القود على من قتل بالمثقل      : قال لو رماه لم يجب عليه القود .  
قلت : قد روى  شعبة   عن  هشام بن زيد   عن جده  أنس بن مالك      :  أن يهوديا رض رأس جارية بحجر فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتل بين حجرين فقال : هذا بهذا     .  
وبمثل هذا القول لا تدفع أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم .  
 [ ص: 37 ] وروى  ابن جريج   عن  عمرو بن دينار   عن  طاوس   عن  حمل بن مالك بن نابغة الكلابي   قال : كنت بين جاريتين لي يعني زوجتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح ، والمسطح عمود الخيمة ، فقتلتها وما في جوفها ،  فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة عبد أو أمة ، وأن يقتل مكانها     .  
ولا يعارض حديث  المغيرة      : لأنه أجنبي من المرأتين ،  وحمل بن مالك   زوج الضرتين ، فكان بحالهما أعرف .  
ومن المعنى : أن المثقل أحد نوعي ما يقصد به القتل في الغالب فوجب أن يستحق فيه القود كالمحدد ، ولأن ما وجب القود في محدده وجب في مثقله كالحديد ، ولأن القود موضوع لحراسة النفوس كما قال الله تعالى :  ولكم في القصاص حياة      [ البقرة : 179 ] فلو سقط بالمثقل لما انحرست النفوس ، ولسارع كل من يريد القتل إلى المثقل ثقة بسقوط القود . وما أدى إلى إبطال معنى النص كان مطرحا . فأما الجواب عن قوله :  لا قود إلا بالسيف  فظاهره حال استيفاء القود أنه لا يكون إلا بالسيف ، ونحن نذكره من بعد ، وقوله :  كل شيء خطأ إلا السيف  فقد رواه  أحمد بن حنبل   في مسنده  كل شيء من خطأ إلا السيف  وهذا أولى لزيادته ، ولو لم تنقل الزيادة لكان الخبر محمولا عليه بأدلتنا ، وقوله  ألا إن في قتيل الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل  فلا دليل فيه من وجهين :  
أحدهما : أنه جعل في عمد الخطأ بالسوط والعصا الدية ، ولم يجعل السوط والعصا عمدا خطأ .  
والثاني : ما قدمناه أن في السوط والعصا عمدا خطأ ، وليس بمانع أن يكون عمدا محضا ، لأنه قد يتنوع ، والسيف لا يتنوع ، وقد دفعنا حديث  المغيرة   برواية  حمل بن مالك      .  
واستدلالهم بالجمع بين صغير المثقل وكبيره في سقوط القود كما جمع بين صغير المحدد وكبيره في وجوب القود ، فالجواب عنه أنه صغير المحدد وكبيره يقتل غالبا فجمع بينهما ، وصغير المثقل لا يقتل غالبا ويقتل كبيره في الغالب فافترقا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					