مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله : فالأول قاتل دون الآخر . ولو قطع مريئه وحلقومه أو قطع حشوته فأبانها من جوفه أو صيره في حال المذبوح ثم ضرب عنقه آخر
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا كانت جناية الأول قد أتت على النفس بقطع حلقومه أو مريئه أو قطع حشوته ، فهو في حكم الميت ، لانتقاض بنيته التي تحفظ حياته ، ولا حكم لما بقي من الحياة : لأنها تجري مجرى حركة المذبوح التي لا ينسب معها إلى الحياة وتجري مجرى الاختلاج ، وإن كانت أقوى فلو جاء آخر بعد أن صيره الأول على هذه الحال فضرب عنقه كان الأول قاتلا يجب عليه القود أو الدية والثاني عابثا فجرى مجرى ضرب عنق ميت فلا يجب عليه قود ولا دية ، لكن يعزر أدبا لانتهاكه الحرمة التي يجب حفظها في الحي والميت وسواء كان مع جناية الأول يتكلم لأن كلامه مع انتهائه إلى هذه الحال يجري مجرى الهذيان الذي لا يصدر من عقل صحيح ، ولا قلب ثابت .
حكى ابن أبي هريرة أن رجلا قطع وسطه نصفين فتكلم واستسقى ماء فسقي ، وقال : هكذا يفعل بالجيران ، وهذا إن صح فهو كلام تصور في النفس قبل قطعه فنطق به اللسان بعده فلم يجر عليه حكم ، ولو وصى لم تمض وصيته ، ولا يصح منه إسلام ولا كفر .
[ ص: 45 ] وهكذا فلا قود عليه ، لأن السبع قد أتى على حياته ، والباقي منها غير مستقر ، فلم يجر عليه حكم . لو افترسه سبع فقطع حشوته أو قطع مريئه أو حلقومه ، ثم ضرب إنسان عنقه
ومثاله في مأكولة السبع إذا قطع حشوتها ثم ذبحت لم تؤكل : لأن الباقي من حياتها غير مستقر فلم يجز عليها حكم الزكاة .