مسألة : قال الشافعي : لم يكن عليه قصاص لأن تخلية السهم كانت ولا قصاص وفيه دية حر مسلم والكفارة وكذلك المرتد يسلم قبل وقوع السهم لتحول الحال قبل وقوع الرمية . ولو أرسل سهما فلم يقع على نصراني حتى أسلم أو على عبد فلم يقع حتى أعتق
قال الماوردي : جمع الشافعي في إرسال السهم بين ثلاث مسائل ، وضم إليها أصحابنا رابعة تظهر باستمرار القياس :
فإحداهما : مسلم أرسل سهمه على نصراني ، فأسلم ثم وصل السهم إليه فمات .
والثانية : في حر أرسل سهمه على عبد فأعتق ، ثم وصل السهم إليه فمات ، فلا قود فيها على المسلم والحر اعتبارا بإرسال السهم : لأن المسلم أرسله على نصراني ، والحر أرسله على عبد ، وعليهما دية مسلم ، ودية حر ، اعتبارا بوصول السهم .
وقال أبو حنيفة : ففيه قيمته لسيده اعتبارا بإرسال السهم دون الإصابة ، وأما الكافر فديته ودية المسلم عنده سواء ، وهذا فاسد : لأن النصراني لم يصل السهم إليه إلا بعد إسلامه ، والعبد لم يصل السهم إليه إلا بعد عتقه وقد ذكرنا أن القود معتبر بحال الجناية وقت الإرسال ، والدية معتبرة بحال الاستقرار وهو الإصابة . إذا أعتق العبد بعد إرسال السهم ، وقبل الإصابة
فأما ما ظهر فيه اشتباه القياس فمسألتان اتفق أصحابنا في إحداهما ، وظهر الخلاف في الأخرى .
فأما التي اتفق أصحابنا عليها مع ظهور الاشتباه فيها : فهي في ، قال مسلم أرسل سهمه على مرتد فأسلم ثم وصل السهم إليه فمات الشافعي : لا قود عليه : اعتبارا بإرسال السهم وعليه الدية اعتبارا بإصابة السهم وهذا مشتبه : لأن ابتداء الجناية إن كان عند إرسال السهم ، فينبغي أن لا تجب فيه الدية لأنه كان عند إرساله مرتدا ، وإن كان ابتداؤها عند الإصابة ، فينبغي أن يجب فيه القود ، لأنه كان عند إصابته مسلما ولا يجوز أن يجعل ابتداؤها في سقوط القود عند الإرسال ، وفي وجوب الدية عند الإصابة لتنافيهما ، وهذا الاشتباه وإن كان محتملا ، وكاد ابن أبي هريرة أن يخرجه وجها ثانيا : أنه لا قود ولا دية اعتبارا بحال الإرسال كما اعتبر في النصراني والعبد حال الإرسال ، ويحمل قول الشافعي : وكذلك المرتد ، يعني : في سقوط القود والدية معا ، وهذا الاحتمال وإن كان لو قاله قائل مذهبا ، فلم يصرح به من أصحابنا أحد : لأن الدية تضمن ضمان الأموال فروعي فيها وقت المباشرة ، وذلك عند الإصابة والقود يضمن ضمان الحدود ، فروعي فيه وقت الفعل ، وذلك عند الإرسال ، فلذلك سقط القود في المرتد اعتبارا بوقت الإرسال ، ووجب فيه الدية اعتبارا بوقت الإصابة .
[ ص: 55 ] وأما المسألة الثانية من مسألتي الاشتباه فهي التي ضمها أصحابنا إلى الثلاث المنصوصات ، وظهر فيها من بعضهم خلاف .
وهي في ، فقد جمع أصحابنا بينه وبين المرتد ، فأسقطوا فيه القود اعتبارا بوقت الإرسال ، وأوجبوا فيه دية مسلم اعتبارا بوقت الإصابة . مسلم أرسل سهمه على حربي فأسلم ثم وصل السهم إليه فمات
وفرق أبو جعفر الترمذي بينه وبين المرتد ، فأسقط في الحربي القود والدية معا ، وأوجب في المرتد الدية ، وأسقط القود فصار جامعا بينهما في سقوط القود ، ومفرقا بينهما في وجوب الدية احتجاجا بأن قتل الحربي مندوب إليه في حق الإمام وغيره ، وقتل المرتد منهي عنه إلا في حق الإمام وهذا الذي قاله الترمذي فاسد : لأن اختلافهما من هذا الوجه لما لم يمنع من تساويهما قبل الإسلام في سقوط القود لم يمنع من تساويهما بعد الإسلام في وجوب الدية .