مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : اقتص منه لأن الأصبع يأتي منها على ما يأتي به السلاح من النفس وإن لم تنفقئ واعتلت حتى ذهب بصرها أو انتجفت ففيها القصاص . ولو عمد عينه بإصبعه ففقأها
قال الماوردي : وهذا كما قال ، لأن الإصبع يأتي من العين على ما يأتي عليه الحديد من النفس ، والعين تتميز عن غيرها من الجسد وتنفصل كالأعضاء ، فوجب القود فيها كالأطراف لقول الله تعالى : إذا فقأ عين رجل بأصبعه وجب عليه القود وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين [ المائدة : 45 ] قرأ الكسائي بالرفع ، وقرأ غيره بالنصب ، وهو على قراءة الكسائي ابتداء حكم في شريعتنا ، وعلى قول من قرأ بالنصب إخبار عن شريعة غيرنا ، وهي لازمة لنا في أصح الوجهين ما لم يرد نسخ ، وإذا كان القود فيها واجبا ، فلها حالتان :
إحداهما : أن تنقلع الحدقة بالفقء فيجوز الاقتصاص منها بالإصبع مقابلة للجناية بمثلها ، ويجوز قلعها بالحديد ، لأنه أسهل وأسرع ، فإن المجني عليه يبصر بالعين الأخرى ، جاز أن يتولى الاقتصاص بنفسه ، وإن كان أعمى لا يبصر لم يجز أن يتولاه لخوف تعديه ، وتولاه وكيله .
والحال الثانية : أن تكون الحدقة باقية في موضعها ، وأذهبت الإصبع ضوء بصرها أو كانت الجناية على رأسه فأذهبت ضوء بصره ، أو لطمه على وجهه فذهب ضوء ناظره ، فالقصاص فيه واجب ، لأن ضوء العين يجري منها مجرى الروح من الجسد ، فلما وجب القود بإفاتة الروح مع بقاء الجسد وجب القصاص بإذهاب الضوء مع بقاء العين ، فيفعل بالجاني مثل فعله بإصبع كإصبعه أو لطمة مثل لطمته ، وليس ذلك لوجوب القصاص واللطم ، ولكن ليستوفى باللطم ما يجب فيه القصاص .
فإن ذهبت بالإصبع واللطمة ضوء عين الجاني فقد استوفى منه القصاص .
وإن لم يذهب بها ضوء عينه عدل إلى إذهاب ضوئها بما تبقى معه الحدقة من [ ص: 88 ] علاج ودواء ، فإن لم يذهب إلا بذهاب الحدقة فلا قصاص فيها وعليه ديتها ، لأن ما لم يمكن الاقتصاص منه إلا بالتعدي إلى غيره سقط القصاص فيه لعدم المماثلة .