فصل : فأما إن قلع شعره قلعا لم يعد نباته ، فإن أمكن فيه القصاص حتى يذهب فلا يعود نباته اقتص منه مع التماثل والمكنة ، وإن تعذر القصاص منه إلا أن يعود نباته فعليه في جميعه حكومة ، ولا تبلغ حكومته دية ، وأوجب أبو حنيفة في أربعة مواضع : في شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين ، فجعل في كل واحد منها الدية إلا في العبد فإنه أوجب في شعره ما نقص من قيمته ، احتجاجا بما روي أن رجلا أفرغ قدرا يغلي على رأس رجل فتمعط منها شعره فأتى الدية في الشعر عليا - عليه السلام - فقال له : اصبر سنة فصبر فلم ينبت فقضى عليه له بالدية ، ولم يظهر له في الصحابة مخالف فكان إجماعا .
[ ص: 174 ] قال : ولأن الدية تجب بإتلاف ما فيه منفعة كاليدين والرجلين ، وبإتلاف ما فيه جمال كالأنف والأذنين ، وفي هذا الشعر جمال وإن لم يكن فيه منفعة ، فاقتضى أن يجب فيه الدية كالأنف والأذنين .
قال : ولأن كل ما فرق بين الرجل والمرأة وجبت فيه الدية كالذكر والأنثى .
ودليلنا : هو أن الدية لا تجب إلا توقيفا كديات الشجاج والأطراف ، وليس في الشعر توقف فلم يجب فيه دية ، ولأن الدية تجب فيما يؤلم وليس في أخذ الشعر ألم ، وما اختص بالجمال دون الألم لم تكمل فيه الدية كاليد الشلاء ، ولأنه شعر لا يجب في العبد منه مقدر فلم يجب في الحر منه مقدر كشعر الجسد ، ولأن من لا يجب في شعر جسده مقدر لم يجب في شعر وجهه مقدر كالعبد ، ولأن ما جرت العادة بإزالته عند تجاوزه حده لم تجب الدية في إزالة أصله كالأظفار ، ثم في الأظفار مع الجمال نفع ليس في الشعر ، لأن الأنامل لا يتصرف إلا بها فنقص حكم الشعر عنها .
فأما احتجاجهم بقضاء علي رضوان الله عليه فقد خالفه فيه أبو بكر - رضي الله عنه - فقضى فيه بعشر من الإبل ، وخالفه فيه زيد فقضى فيه بثلث الدية ، وليس مع الخلاف إجماع ، وقياسه على الذكر لاختصاص الرجال به فيفسد بشعر الشارب يختص به الرجال ولا يجب فيه الدية .
ثم المعنى في الذكر أن فيه منفعة وإنما يخاف منه للسراية إلى النفس ، فخالف الشعر ، وما ذكره من القياس على الأنف والأذنين فلا تسوية بينهما وبين الشعر لأمرين :
أحدهما : أن في الأنف والأذنين منفعة ليست في الشعر ، لأن الأنف يحفظ النفس والشم ، والأذن يحفظ السمع ويدفع الأذى .
والثاني : أن في قطعهما ألما ربما أفضى إلى النفس بخلاف الشعر الذي لا يؤلم ولا يخاف منه التلف .