الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من شرح المذهب ، فإن قلنا إن القول قول المجني عليه في سلامتها مع يمينه حلف لقد كان سليما عند الجناية عليه ، وحكم له بالقود أو الدية ، إلا أن يكون للجاني بينة على ما ادعاه من الشلل وعدم السلامة ، فإن شهدوا أنه كان أشل عند الجناية أو قبلها حكم بشهادتهم ، وسقط القود والدية ووجب الأرش ، لأن الشلل إذا ثبت قبل الجناية يزول وكان باقيا إلى وقت الجناية ، فلذلك ما استوى حكم الشهادة في الحالتين ، والبينة هاهنا إن كانت الجناية موجبة للقود شاهدان ، وإن كانت موجبة للدية دون القود شاهدان ، أو شاهد وامرأتان ، أو شاهد ويمين ، وإن قلنا : إن القول قول الجاني فلا يخلو حاله من أن يكون قد اعترف بالسلامة قبل الجناية أو لم يعترف بها ، فإن لم يعترف له بالسلامة وقال لم تزل سلامته وحلف ، فالقول قوله مع يمينه ، وإن اعترف له بالسلامة وادعى حدوث الشلل عند الجناية ففي قبول قوله قولان منصوصان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تقبل للاعتراف بالسلامة ، لأنها قد صارت باعترافه بها أصل استصحابه فيصير القول فيه قول المجني عليه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن يقبل دعواه في حدوث الشلل مع اعترافه بتقدم السلامة ، لأننا لما قدمنا قوله في الشلل وإن كان الظاهر سلامة الخلقة قبلنا قوله مع اعترافه بسلامة الخلقة ، لاعترافه بما وافق الظاهر من السلامة ، فيكون القول قوله مع يمينه ، لقد كان أشل ولا يلزم أن يكون يمينه على شلله وقت الجناية ، لأن الشلل لا يزول بعد حدوث ، فإن أقام المجني عليه بينة على سلامته سمعناها إن شهدت بسلامته وقت الجناية .

                                                                                                                                            [ ص: 187 ] وإن شهدت بسلامته قبلها فعلى قولين من اختلاف قوليه إذا اعترف بتقدم سلامته هل يقبل قوله في حدوث شلله .

                                                                                                                                            فإن قيل بقبول قوله فيه لم يحكم عليه بهذه البينة ، وإن لم يقبل قوله فيه حكم عليه بهذه البينة ، وكان له إحلاف المجني عليه لقد كان سليما إلى وقت الجناية عليه ، ولا يقبل فيما أوجب القود إلا شاهدان ويقبل فيما أوجب الدية دون القود شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية