مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وفي في كل ذلك حكومة . شعر الرأس والحاجبين واللحية وأهداب العينين
قال الماوردي : وهذا قاله ردا على أبي حنيفة ، لأنه أوجب في كل واحد من هذه الشعور الأربعة الدية تامة ، وأوجب الشافعي في جميعها حكومة تتقدر بحسب الشين ، ولم يوجب فيها الدية : لأمرين :
أحدهما : أن الدية تجب فيما يكون له مع الجمال منفعة ، وهذا مسلوب المنفعة فلم تجب فيه الدية .
والثاني : أن الدية تجب فيما يؤلم قطعه ويخاف سرايته ، وقد عدم في الشعر الألم والسراية فلم يجب فيه دية ، وإذا كان كذلك لم يخل حال الشعر المأخوذ من الجسد من ثلاثة أقسام :
[ ص: 301 ] أحدها : ما لا يحدث أخذه شينا في جميع الناس وذلك مثل شعر الإبط والعانة فلا شيء فيه ، سواء عاد أو لم يعد ، إلا أن يحدث في الجلد أثرا فيلزم في أثر الجلد حكومة دون الشعر المأخوذ منه ، وقد خرج بعض أصحابنا فيه وجها ثانيا أن فيه إذا لم يعد حكومة وإن كان ذهابه أجمل ، لأن الشافعي قد أوجب في لحية المرأة إذا نتفت فلم تعد حكومة ، وإن كان ذهابها أجمل بالمرأة من بقائها وهما في المعنى سواء .
والقسم الثاني : ما يحدث أخذه شينا في جميع الناس كشعر اللحية والحاجبين وأهداب العينين ففيه إذا لم يعد حكومة ، وإن عاد مثل نباته قبل أخذه ففيه وجهان : أحدهما : لا شيء فيه .
والثاني : فيه حكومة هي دون حكومة ما لم يعد ، وقد لوح الشافعي إلى الوجهين معا ، فلو خرج على قولين كان محتملا ، فلو نبت بعضه ولم ينبت بعضه لزمته حكومة ما لم ينبت ، وفي حكومة ما نبت وجهان على ما مضى .
والقسم الثالث : ما يحدث أخذه شينا في بعض الناس ، ولا يحدث شينا في بعضهم وهو شعر الرأس والشارب ، يحدث شينا فيمن لم تجر عادته بحلق رأسه وحف شاربه ، ولا يحدث شينا فيمن جرت عادته بذلك ، فإن أخذه من لا يشينه أخذه فلا شيء عليه إن عاد ، وإن لم يعد فهل فيه حكومة هي أقل من حكومة الشعر أم لا ؟ على وجهين ، وإن أخذه ممن يشينه أخذه ففيه إن لم يعد حكومة وهي أكثر من حكومته فيمن لا يشينه أخذه ، وإن عاد ففيه ما قدمناه من الوجهين .
فأما القصاص في نتف الشعر فلا يجب لاختلاف الناس في كثافته وخفته ، وطوله وقصره ، وشينه وجماله ، وذهابه ونباته .