الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو صاح برجل فسقط عن حائط لم أر عليه شيئا ولو كان صبيا أو معتوها فسقط من صيحته ضمن .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهو كما قال ، إذا وقف إنسان على شفير بئر أو حافة نهر أو قلة جبل فصاح به صائح فخر ساقطا ووقع ميتا لم يخل حال الواقع من أحد أمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون رجلا ، قوي النفس ، ثابت الجأش ، ثابت الجنان ، فلا شيء على الصائح ، لأن صيحته لا تسقط مثل هذا الواقع ، فدل ذلك على وقوعه من غير صيحته .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون صبيا أو مجنونا أو مريضا أو مضعوفا لا يثبت لمثل هذه الصيحة فالصائح ضامن لديته ، لأن صيحته تسقط مثله من المضعوفين ، ولا قود عليه لعدم المباشرة ، لكنه إن عمد الصيحة كانت الدية مغلظة ، وإن لم يعمد كانت مخففة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يضمن بها الصغير كما لا يضمن بها الكبير القوي ، وهذا جمع فاسد ، لأن الصيحة تؤثر في الصغير المضعوف ، ولا تؤثر في الكبير القوي فافترقا في الضمان : ولأن الجنايات تختلف باختلاف المجني عليه ، ألا ترى أن رجلا لو لطم صبيا فمات ضمنه ، ولو لطم رجلا فمات لم يضمنه ، لأن الصبي يموت باللطمة والرجل لا يموت بها ، فلو اغتفل إنسانا وزجره بصيحة هائلة فزال عقله فقد اختلف أصحابنا فيه فحمله أكثرهم على ما قدمناه من التفسير أنه يضمن بها عقل الصبي والمجنون ، ولا يضمن بها عقل الرجل الثابت .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي هريرة : يضمن بها عقل الفريقين معا بخلاف الوقوع ، لأن في الوقوع فعلا للواقع فجاز أن ينسب الوقوع إليه وليس في زوال العقل فعل من الزائل العقل فلم ينسب زواله إلا إلى الصائح المذعر ، ولو قذف رجل امرأة بالزنا فماتت لم يضمنها ، ولو ألقت جنينا ميتا ضمنه ، لأن الجنين يلقى من ذعر القذف والمرأة لا تموت منه ، قد أرسل عمر إلى امرأة قذفت عنده رسولا فأرهبها فأجهضت ما في ذات بطنها فحمل عمر عاقلة نفسه دية جنينها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية