الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر توجيه الوجهين لم يعتبر في واحد منها إنكار الوالي والإشهاد عليه ، وإن قيل بسقوط الضمان لم يجب بإنكار الوالي والإشهاد عليه ، وإن قيل بوجوب الضمان لم يسقط إمساك الوالي وترك الإشهاد عليه .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن أنكره الوالي أو كان ميله إلى الطريق أو الجار وإن كان ميله إلى داره وأشهد عليه ضمن ، وإن لم ينكراه ولم يشهدا عليه لم يضمن فصار مخالفا كلا الوجهين احتجاجا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يصير بتركه بعد الإنكار والمطالبة متعديا فلزمه الضمان لتعديه ، وهو قبل الإنذار غير متعد فلم يلزمه الضمان لعدم التعدي .

                                                                                                                                            [ ص: 380 ] والثاني : أنه لما وقع الفرق في تلف الوديعة بين أن تكون بعد طلبها فيضمن ، وبين أن يكون قبل طلبها فلا يضمن ، وجب أن يقع الفرق في ميل الحائط بين أن يكون سقوطه بعد مطالبته فيضمن وبين أن يكون قبل مطالبته لا يضمن : لأن يده على حائط قد استحق عليه رفعه كما يد المودع على مال قد استحق عليه رده ، فوجب أن يستويا في الفرق بين المطالبة والإمساك .

                                                                                                                                            ودليلنا شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا يخلو ميل الحائط من أن يكون موجبا للضمان فلا يسقط بترك الإنكار ، كما لو حفر بئرا في غير ملكه ، أو يكون غير موجب للضمان فلا يجب الإنكار كما لو حفر بئرا في ملكه ، فلم يبق للإنكار تأثير في سقوط ما وجب ولا في وجوب ما سقط .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لا يخلو إما أن يكون الإنكار مستحقا فلا يسقط حكمه بعدمه كالمنكرات ، أو يكون غير مستحق فلا يثبت حكمه بوجوده كالمباحات ، فلم يبق للإنكار تأثير في إباحة محظور ولا في حظر مباح ، وبه يقع الانفصال عما احتج به من تعديه بعد الإنكار وعدمه قبله ، واحتجاجه بالوديعة لا يصح ، لأن المودع نائب عن غيره فجاز أن يتعلق ضمانها بطلبه ، وليس صاحب الحائط المائل نائبا فيه عن غيره فلم يتعلق ضمانه بإنكاره وطلبه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية