[ ص: 38 ] ثم من تمسك ببعض شعب الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة ولم يوافقهم على أصل بدعتهم ولا دعا إلى مذهبهم كثير من المتقدمين ، وهم جمهور من روى عنه أصحاب الصحيح ممن ينسب إلى بعض هؤلاء المخطئين . فقام يرد هذه البدعة بقايا الصحابة العالمين ، كابن عمر وابن عباس وجابر ونحوهم من الغر الميامين . وأبي سعيد
ثم لما فرغ الشيطان من المؤمنين ببدعتين رفعا وخفضا ، ومن الدين ببدعتين إبراما ونقضا ، شرع في رب العالمين ، فحدثت الجهمية في أواخر عصر التابعين : هؤلاء ينفون عنه ما جاءت به الرسل من الصفات ، كأنه عندهم من الأمور المعدومات ، مضاهاة لضلال الصابئين . ثم كثير منهم أو أكثرهم إن اضطر إلى إثباته جعله لآخر شاملا لمخلوقاته شمول الكل لأجزائه شائعا ، حتى قد خصهم بالبحر وأمواجه في مصنوعاته مشاع الجنس المطلق في أفراده ، وجعلوه الوجود المطلق الذي لا يوصف بتغييره في معينين ، وبعضهم يجعله ساريا في المحدثات بحيث لا يبقى له عندهم حقيقة خارجية من الأرض والسماوات . تعالى الله عن افتراء الظالمين . بدعتا
فشاركوا النصارى في الحلول والاتحاد ، وزادوا عليهم بعموم الحلول والاتحاد في الموجودين . ثم ضربوا للكتب الإلهية أنواع التحريف والتبديل وأصناف المجاز والتأويل ، ولا أبقوا العقول كما فطرت عليه من المعقولات وما أتى إليها من المسموعات ، تارة بدعوى النظر الثاقب للنظار ، وتارة بدعوى الوجد الصادق للعابدين . [ ص: 39 ]
ثم آل الأمر بكثير منهم إلى أن عمم هذا فيما جاءت به الرسل من الوعد والوعيد ، وما وصفته من النعيم والعذاب في داري الكفار والمؤمنين ، فسلبوا داري القرار ما عرف لهما من الصفات ونفوهما ، إذ أثبتوهما كإثباتهم إله المؤمنين ، فحملوا مثل ذلك في المحارم والعادات ، تارة ينفون عن الأفعال أحكامها الشرعية ، وتارة يثبتون ذلك في حق العموم دون المتميزين ، وعصامهم في جميع ذلك نوع تعطيل يسمونه بالمعقول ، ونوع تحريف يسمونه بالتأويل ويزخرفونه بالتزيين .
وهؤلاء الممثلة يمثلون صفاته بصفات المخلوقات ، ويجعلونه من جنس المصنوعات وصنف الآدميين ، حتى وصفه بعضهم باللحم والدم والعظام -تعالى الله عن ذلك- مضاهاة لكثير من اليهود في تمثيلهم لربهم بالمخلوق ، حتى عبدوا العجل وكانوا أتباع الدجال اللعين ، وإن كان كثير من اليهود أو أكثرهم معطلة جهمية ذات تحريف يسمونه التأويل ، يفرون به -زعموا- من تحيز ذي القوة المتين ، فإنه قال - صلى الله عليه وسلم - : . وجب بمقتضى هذا الخبر البين أن يكون في أمتنا ما كان في أهل الكتابين قبلنا . هذا ، ثم المهتدي منهم قبل المبعث ضل بعدم اتباع نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، فلذلك افترقت أمتنا زيادة عليهم ثلاثة وسبعين . "لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" ، قالوا : يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال : "فمن"