الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فعلم أن الزاني والشارب أبعد عن كون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما من هؤلاء التاركين للجهاد ، وإن كانوا يحبون الله ورسوله ، لكن لم يقل له : إنها أحب إليه مما سواهما ، ولا إنه متصف بذلك وقت الشرب ، فقد يتصف العبد بالأحبية في حال دون حال ، ولا بد في الإيمان من أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .

ومن هنا غلطت الجهمية والمرجئة; فإنهم جعلوا الإيمان من باب القول : إما قول القلب الذي هو علمه ، أو معنى غير العلم عند من يقول ذلك . وهذا قول الجهمية ومن تبعهم كأكثر الأشعرية ، وبعض متأخري الحنفية . وإما قول القلب واللسان كالقول المشهور عن المرجئة; ولم يجعلوا عمل القلب مثل حب الله ورسوله ومثل خوف الله من الإيمان ، فغلطوا في هذا الأصل .

وغلطوا غلطا آخر غلطت الجهمية فيه أعظم ، وهو أنهم ظنوا القلب يقوم به الإيمان قياما لا يظهر على الجوارح . فظنوا أن [الإنسان] يقوم بقلبه تصديق تام للرسول ، ومحبة تامة للرسول ، وهو مع هذا يشتمه ويلعنه ويضربه من غير إكراه ، فصاروا لا يجعلون شيئا من الأعمال الظاهرة مستلزما للكفر الباطن ، بل يقولون : نحن نحكم بكفره ظاهرا ، وقد يكون في الباطن من أولياء الله . [ ص: 247 ]

وغلطوا غلطة ثالثة فقالوا : كل من حكم الشارع بكفره في الظاهر فذلك دليل على أنه لم يكن مصدقا في الباطن .

وهذا مكابرة ظاهرة ، فصاروا يقولون : إن إبليس وفرعون وعلماء اليهود وأمثال هؤلاء هم في الباطن جاحدون لوجود الخالق لأنه ثبت أنهم ليسوا مؤمنين في الباطن . والإيمان عندهم مجرد علم القلب ، فاحتاجوا إلى نفي هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية