الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلتم : كل من تأول بدليل على القواعد سوغناه له ، وإن كان قد يخطئ .

قلنا : فيكون تأويل الجهمية والقدرية والخوارج والروافض والوعيدية والباطنية والفلاسفة كلها سائغة وإن كانت خطأ ، وهذا مما علم بالإجماع القديم بل بالاضطرار من دين الإسلام أن جميع هذه التأويلات ليست سائغة ، بل تسويغ جميع هذه التأويلات على خلاف إجماع هذه الفرق كلها ، فإن جميع فرق الأمة لا يسوغ جميع التأويلات .

وقلنا ثانيا : فنحن إنما قلنا : "تأويل المتكلمين الذي يخالفون به أهل الحديث باطل" ، وهذا تأويل موصوف ، ولا يلزم من بطلان النوع المقيد بطلان الجنس المطلق ، فإذا أبطلنا التأويل المخالف لأهل الحديث [لا] يلزمنا أن نمنع كل تأويل في الدنيا ، وأن نحرم على كل معتبر أن يتأول تأويلا لا يخالف أهل الحديث ........ [ ص: 78 ]

وقلنا ثالثا : نحن قلنا : "هذه التأويلات باطلة" ، أما كونها سائغة أو محرمة فهذا لم نتعرض له في هذا الكلام ، فقولكم "إن المعتبرين لم يمنعوا المعتبرين أن يتأولوا ، وإن معتبرا لم يحرم التأويل الموصوف" كلام لا يمس كلامنا ولا يقابله ، بل هو أجنبي عنه غير متوجه ، فلا يستوجب الجواب . نعم ، إن ادعيتم أن كل تأويل المتكلمين أو بعضه حق أو صواب فهذا نقيض قولنا ، ففرق بين صحة التأويل وفساده وبين حرمته وحليته ، ألا ترى أن الفقهاء في تأويلهم نصوص الأحكام يجوز لهم التأويل في الجملة ، وإن كان كثير من تأويل بعضهم قد يظهر أنه خطأ ، كما يجوز للفقيه الاجتهاد في الفتيا والقضاء ، وإن كان قد يحكم ببطلان بعض الفتاوى والأقضية .

على أن من قال : كل مجتهد مصيب ، لا يمكنه أن يقول : كل متأول مصيب ، فإن المتأول يقول : الله أراد بهذه الآية كذا ، والآخر يقول : لم يرد هذا ، والنفي والإثبات لا يجتمعان ، اللهم إلا أن يقول قائل : إن الله أراد من زيد أن يفهم هذا ، وأراد من عمرو أن يفهم هذا ، وهذا في الأمور الاعتقادية ما يكاد يقوله إلا من يخالفه جمهور الناس ، وإن كان قد قاله في العمليات طائفة من المتكلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية