الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وتنفير الكفار عن الإسلام كتنفير أهل التأويل عن الرجوع إلى الحق والتوبة من ذلك الخطأ . وهذا في الأنكحة والمعاوضات والمقاسمات .

وكذلك ما أتلفه أهل البغي على أهل العدل من النفوس والأموال ، لا يجب عليهم ضمانه في ظاهر المذهب الموافق لقول جمهور العلماء ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه ، كما أجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين . قال الزهري : وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون ، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر . وذلك لأنهم متأولون ، وإن كان ما فعلوه حراما في نفس الأمر . [ ص: 387 ]

وفي أهل الردة أيضا روايتان ، أصحهما أنهم لا يضمنون كأهل الحرب ، كما أشار به عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه ، لما قال لأهل الردة : تدوا قتلانا ولا ندي قتلاكم ، فقال عمر : لا ، لأنهم قوم قتلوا في سبيل الله واستشهدوا . دل على ذلك كتاب الله في عفوه عن الخطأ ، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصة أسامة بن زيد وقصة عمار بن ياسر وعدي بن حاتم وأبي ذر وغير ذلك .

فما قبضه المسلم بعقد متأولا فيه ملكه ، ولو تحاكم اثنان في عقد اعتقدا صحته بعد القبض فينبغي للحاكم أن يقرهما على ذلك التقابض .

ويجوز معاملة المسلم فيما قبضه بهذا الوجه ، ولهذا أمر أحمد لمن يعامل السلطان في وقته أن يكون بينه وبينه آخر ، وكلما بعد كان أجود ، لأن المباشر لهم قد يستحل من المعاملة باجتهاد أو تقليد ما لا يستحله المستفتي ، فإذا قبضه المباشر بتأويله حل للمستفتي حينئذ .

ونظير هذا قول عمر في الخمر والخنزير : ولوهم بيعها وخذوا أثمانها ، ولا تبيعوها أنتم . فإن المسلم لا يحل له بيع الخمر [ ص: 388 ] والخنزير ، ويحل له قبض ثمن ذلك ممن باعه بتأويله في دينه .

فالمسلم الذي قبض بتأويل أولى . فهذا مأخذ لقول أحمد .

وله مأخذ ثان : أن الظالم إذا باع المغصوب فالمشتري قبض عوض ماله ، والأموال التي بأيديهم مجهولة الملك ، فالعوض فيها كالمعوض . فالمستفتي قبض ممن قبض عوض [ماله] ، ولم يقبض ممن قبض نفس مال الغير . ولهذه القاعدة فروع في جواباتي في الفتاوى .

وما قبضه الإمام من الحقوق -الزكوات والخراج وغير ذلك- بتأويل من اجتهاد أو تقليل وجبت طاعته فيه ، كما يجب طاعة الحاكم في الحكم المتنازع فيه ، فإذا طلب أخذ القيمة أو أخذ ما فضل عن الفرائض ونحو ذلك أطيع في ذلك ، وتبرأ ذمة المسلم بما يدفعه من ذلك .

وهل يجزئه ذلك إذا كان يعتقد أنه لا يجزئه لو فعله؟ الصواب أنه يجزئه ، كما ذكر أصحابنا في الخلطة أنه لو أخذ القيمة أو الكبير عن الصغير فإنه يرجع أحد الخليطين على الآخر بذلك ، وإطلاقهم يقتضي أنه يجزئ .

التالي السابق


الخدمات العلمية