الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم قال : إنك ستجد قوما حبسوا أنفسهم لله ، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له . وستجد قوما فحصوا عن أوساط [ ص: 144 ] رؤوسهم ، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف . وإني موصيك بعشر : لا تقتلن امرأة ، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما ، ولا تقطعن شجرا مثمرا ، ولا تخربن عامرا ، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ، ولا تحرقن نخلا ولا تفرقنه ، ولا تجبن ولا تغلل . وذكر وصية أخرى .

ويزيد هذا الذي أمره الصديق وكان من الصحابة هو عند المسلمين من خيار المسلمين ، وهو رجل صالح ، وهو عند المسلمين خير من أبيه أبي سفيان ومن أخيه معاوية .

فلما فتح المسلمون بلاد الشام في خلافة أبي بكر وعمر وتوفي أبو بكر واستخلف عمر ، كان أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة نوابا لعمر بن الخطاب على الشام .

وكان الشام أربعة أرباع :

الربع الواحد : ربع فلسطين ، وهو بيت المقدس إلى نهر الأردن الذي يقال له الشريعة .

والربع الثاني : ربع الأردن وهو من الشريعة إلى نواحي عجلون إلى أعمال دمشق .

والربع الثالث : دمشق .

والربع الرابع : حمص .

وكانت سيس وأرض الشمال من أعمال حمص . [ ص: 145 ]

ثم إنه في زمن معاوية أو يزيد جعل الشام خمسة أجناد ، وجعلت قنسرين والعواصم أحد الأخماس .

وكان المسلمون قد فتحوا الشام جميعها إلى سيس وغيرها ، وفتحوا قبرص . كان معاوية قد فتحها في خلافة عثمان بن عفان .

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر بغزوات البحر ، وأخبر أم حرام بنت ملحان أنها تكون فيهم ، فكان كما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فلما كان في أثناء خلافة عمر بن الخطاب مات في خلافته أبو عبيدة بن الجراح ، ومات أيضا يزيد بن أبي سفيان .

ولما كان المسلمون يقاتلون الكفار ، ويزيد بن أبي سفيان أحد الأمراء ، كان أبوه أبو سفيان وأخوه معاوية يقاتلان معه تحت رايته ، وأصيب يومئذ أبو سفيان ، أصيبت عينه في القتال .

فلما مات يزيد بن أبي سفيان في خلافة عمر ، ولى عمر مكانه على أحد أرباع الشام أخاه معاوية بن أبي سفيان .

وبقي معاوية أميرا على ذلك ، وكان حليما كريما ، إلى أن قتل عمر . ثم أقره عثمان على إمارته ، وضم إليه سائر الشام ، فصار نائبا على الشام كله .

وفي خلافة عثمان ولد لمعاوية ولد سماه يزيد باسم أخيه يزيد . [ ص: 146 ]

وهذا يزيد الذي ولد في خلافة عثمان هو الذي تولى الملك بعد أبيه معاوية ، وهو الذي قتل الحسين في خلافته ، وهو الذي جرى بينه وبين أهل الحرة ما جرى . وليس هو من الصحابة ، ولا من الخلفاء الراشدين المهديين ، بل هو خليفة من الخلفاء الذين تولوا بعد الخلفاء الراشدين ، كأمثاله من خلفاء بني أمية وبني العباس .

وهؤلاء الخلفاء لم يكن فيهم من هو كافر ، بل كلهم كانوا مسلمين ، ولكن لهم حسنات وسيئات ، كما لأكثر المسلمين ، وفيهم من هو خير وأحسن سيرة من غيره ، كما كان سليمان بن عبد الملك الذي ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة من بني أمية ، والمهدي والمهتدي ، وغيرهما من خلفاء بني العباس ، وفيهم من كان أعظم تأييدا وسلطانا ، وأقهر لأعدائه من غيره ، كما كان عبد الملك والمنصور .

التالي السابق


الخدمات العلمية