الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما كان سلف هذه الأمة عالمين بغايات العلوم العقلية والسمعية وعلموا تلازمهما ، لم يكن بينهم تنازع ولا تعارض . وقد أخبر الله في كتابه بما دل به على أن كلا من العقل والسمع يوجب النجاة ، فقال تعالى عن أهل النار : وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ، وقال تعالى : أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وقال تعالى : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . [ ص: 289 ]

فدل على أن مجرد العقل يوجب النجاة وكذلك مجرد السمع ، [و] معلوم أن السمع لا يفيد دون العقل ، فإن مجرد إخبار المخبر لا يدل إن لم يعلم صدقه ، وإنما يعلم صدق الأنبياء بالعقل ، لكن طائفة من أهل الكلام ظنوا أن دلالة السمع إنما هي من جهة المخبر فقط ، وقد علموا أن الخبر لا يفيد إن لم يعلم بالعقل صدق المخبر ، فجعلوا دلالة العقل خارجة عما جاءت به الأنبياء .

وأما حذاق المتكلمين فعلموا أن الرسول بين للناس الأدلة العقلية التي بها يعرف إثبات الصانع وتوحيده وصفاته وصدق رسوله ، وعلموا أنه لا يكون عالما بالكتاب والسنة إلا من علم ما فيهما من الأدلة العقلية التي تدل على المطلوب ، مثل العلم بصدق المخبر ، وأن الله إنما بعث رسولا إلى الخلق ليهديهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويهديهم إلى الصراط المستقيم ، ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويجادلهم بالتي هي أحسن . إذ بعثه بالهدى ودين الحق ، وقد أكمل له ولأمته الدين ، وأتم عليهم النعمة .

وقد تضمنت رسالته ما به يعلم ذلك من الأدلة العقلية ، وإلا فمجرد إخبار المخبر قبل العلم بصدقه لا يفيد علما . وكذلك الأدلة العقلية لا يكون الناظر فيها قد أعطاها حقها حتى تدله على صدق الرسول ، فإن الأدلة العقلية اليقينية مستلزمة لذلك ، وثبوت الملزوم بدون ثبوت اللازم محال . ولهذا قال أهل النار لما قيل لهم ألم يأتكم نذير قالوا بلى الآية إلى السعير . فدل ذلك على [ ص: 290 ] أنهم كذبوا الرسل فاستحقوا العذاب ، ودل على أنهم لم يكونوا يعقلون ، وأنهم لو عقلوا لصدقوا الرسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية