الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبالجملة إن السكن بالثغور والرباط والاعتناء به أمر عظيم ، وكانت الثغور معمورة بخيار المسلمين علما وعملا ، وأعظم البلاد إقامة بشعائر الإسلام وحقائق الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان كل من أحب التبتل للعبادة والانقطاع إلى الله وكمال الزهد والعبادة والمعرفة يدلونه على الثغور . [ ص: 359 ]

وإنما اختار من اختار الرباط بثغور النصارى للحديث الذي في سنن أبي داود عن ثابت بن قيس قال : جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال لها أم خلاد وهي منتقبة تسأل عن ابنها وهو مقتول ، فقال لها بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة!

فقالت : [إن] أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ابنك له أجر شهيدين" . قالت : ولم ذاك؟ قال : "لأنه قتله أهل الكتاب"
.

وهذا بعض [الأخبار التي] تبين فضيلة سكنى الشام; فإن أهل الشام ما زالوا مرابطين من أول الإسلام لمجاورتهم النصارى ومجاهدتهم لهم ، فكانوا مرابطين مجاهدين لأهل الكتاب . ولهذا فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - جندهم على جند اليمن والعراق; مع ما قاله في أهل اليمن .

ففي سنن أبي داود وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إنكم ستجندون أجنادا; جندا بالشام وجندا باليمن وجندا بالعراق" ، قال : فقلت يا رسول الله! خر لي ، فقال : "عليك بالشام ، فإنها خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليها خيرته من عباده ، فمن أبى فليلحق بيمنه ، وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله" . قال الحوالي : ومن يتكفل الله به فلا ضيعة عليه . [ ص: 360 ]

وفي سنن أبي داود أيضا عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إنه ستكون هجرة بعد هجرة ، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم ، تقذرهم نفس الرحمن ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير" .

وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يزال أهل الغرب ظاهرين" .

قال الإمام أحمد : أهل الغرب هم أهل الشام . يعني : ومن يغرب عنهم; فإن التغريب والتشريق من الأمور النسبية ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بذلك وهو بالمدينة النبوية ، فما تغرب عنها فهو غرب المدينة ، كما أن حران والرقة ونحوهما خلف مكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية