الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد جاء في فضائل الرباط أحاديث في الصحاح والسنن تبين ما ذكرناه :

فروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" .

وفي صحيح مسلم عن سلمان الفارسي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات فيه جرى عليه [عمله] الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان" .

وفي السنن عن فضالة بن عبيد قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ميت يموت إلا ختم عليه عمله إلا من مات مرابطا في سبيل الله ، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ، ويؤمن من فتنة القبر" رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه والترمذي بمعناه . وزاد : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "المجاهد [من جاهد] نفسه في طاعة الله" قال الترمذي : حسن صحيح . [ ص: 364 ]

وقد تقدم حديث عثمان : "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل" .

وقد جاء عن السلف آثار فيها ذكر الثغور مثل غزة وعسقلان والإسكندرية وقزوين ونحو ذلك .

وأما الأحاديث المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعيين قزوين والإسكندرية ونحو ذلك فهي موضوعة كذب بلا ريب عند علماء الحديث ، وإن كان ابن ماجه قد روى في سننه الحديث الذي في فضل قزوين; وقد أنكر عليه العلماء ذلك ، كما أنكروا عليه رواية أحاديث أخرى بضعة عشر حديثا من الموضوعات; ولهذا نقصت مرتبة كتابه عندهم عن مرتبة أبي داود والنسائي .

وقد قدمنا كون البلد ثغرا صفة عارضة لا لازمة; فلا يمكن فيه مدح مؤبد ولا ذم مؤبد ، إلا إذا علم أنه لا يزال على تلك الصفة .

وإذا تبين ما في الرباط من الفضل; فمن الضلال ما تجد عليه أقواما ممن غرضه التقرب إلى الله والعبادة له بما يحبه ويرضاه يكون في الشام أو ما يقاربها ، فيسافر السفر الذي لا يشرع بل يكره ، ويترك ما هو مأمور به واجب أو مستحب .

مثال ذلك أن قوما يقصدون التعريف بالبيت المقدس ، فيقصدون زيارته في وقت الحج ليعرفوا به ، ويدعو [ن] المقام بالثغور التي تقاربه . [ ص: 365 ]

وهذا في غاية الضلال والجهل والحرمان من وجوه :

أحدها : أن التعريف بالبيت المقدس ليس مشروعا لا واجبا ولا مستحبا بإجماع المسلمين ، ومن اعتقد السفر إليه للتعريف قربة فهو ضال باتفاق المسلمين ، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، إذ ليس السفر مشروعا للتعريف إلا للتعريف بعرفات .

وأقبح من ذلك تعريف أقوام عند بعض قبور المشايخ والأنبياء وغير ذلك من المشاهد أو السفر لذلك ، فهذا من أعظم المنكرات باتفاق المسلمين . بل تنازع السلف في تعريف الإنسان في مصره من غير سفر ، مثل أن يذهب عشية عرفة إلى مسجد بلده فيدعو الله ويذكره ، فكره ذلك طوائف; منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهما . ورخص فيه آخرون; منهم الإمام أحمد ، قال : لأنه فعله ابن عباس بالبصرة وعمرو بن حرب بالكوفة . ومع هذا فلم يستحبه أحمد ، وكان هو نفسه لا يعرف ولا ينهى من عرف . وقد قيل عنه : إنه يستحب .

التالي السابق


الخدمات العلمية