الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد أوجب الله تعالى على أهل دينه جهاد من خرج عن شيء حتى يكون الدين كله لله ، كما قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . فمن خرج عن بعض الدين إن كان مقدورا عليه أمر بالكلام ، فإن قبل وإلا ضرب وحبس حتى يؤدي الواجب ويترك المحرم ، فإن امتنع عن الإقرار بما جاء به الرسول أو شيء منه ضربت عنقه .

وإن كان في طائفة ممتنعة قوتلوا ، كما قاتل أبو بكر رضي الله عنه وسائر الصحابة مانعي الزكاة ، مع أنهم كانوا مقرين بالإسلام باذلين للصلوات الخمس ، حتى قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على [ ص: 215 ] منعها . وكما قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة الخوارج ، الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة" .

وهؤلاء الخوارج الحرورية هم أول من ابتدع في الدين وخرج عن السنة والجماعة ، حتى إن أولهم خرج عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته ، وأنكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - قسمة المال ، وأنزل الله فيهم . وفي أمثالهم : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . قال ابن عباس وغيره : تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة .

فكل من خرج عن كتاب الله وسنة رسوله من سوائر الطوائف فقد وجب على المسلمين أن يدعوه إلى كتاب الله وسنة رسوله بالكلام ، فإن أجاب وإلا عاقبوه بالجلد تارة ، وبالقتل أخرى على قدر ذنبه ، وسواء كان منتسبا إلى الدين من العلماء والمشايخ أو من رؤساء الدنيا من الأمراء والوزراء ، فإن من هؤلاء فيهم الأبرار والفجار . [ ص: 216 ]

فأبرارهم هم أئمة الدين وهداة المسلمين وصالحو المجاهدين أهل الإيمان والقرآن; والحامل الناصر للإيمان والقرآن ، هم صفوة الله من عباده وخيرته من خلقه ، وموضع نظر الله إلى الأرض ، وورثة الأنبياء وخلف الرسل ، قال الله تعالى فيهم : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم .

والبشرى قد فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له ، وبالثناء الحسن من المؤمنين .

ومر على النبي - صلى الله عليه وسلم - بجنازة فأثنوا عليها خيرا ، فقال : "وجبت وجبت" ، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا ، فقال : "وجبت وجبت" ، قالوا : يا رسول الله! ما قولك وجبت؟ قال : "هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت وجبت لها الجنة ، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت لها النار ، أنتم شهداء الله في الأرض" .

فمن شهد له عموم المؤمنين بالخير كان من أهل الخير ، ومن شهد له بالشر كان من أهل الشر . [ ص: 217 ]

وهؤلاء الفجار المنتسبون إلى علم أو دين أو إمرة أو رئاسة كالذين قال الله تعالى فيهم : إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله إلى أن قال تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم وقد قال تعالى في كتابه : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المغضوب عليهم : اليهود ، والضالين هم النصارى" . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

قال العلماء : فمن أوتي علما فلم يعمل به كان فيه شبه من اليهود الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه ، ومن عبد الله بلا علم كان فيه شبه من النصارى الذين ابتدعوا الرهبانية وعبدوه بغير شريعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية