وإذا قيل "أهل الحديث" ذهبت أوهامهم إلى قوم من الرواة وضرب من النساخ والمستمعين ، وإن رفعوا البابة إلى قوم من الحفاظ لبعض الأسماء واللغات إذا حدثوا ، وظهر من الجهل والظلم اللذين وصف الله بهما الإنسان ما أوجب نقص العلم والدين . فهذا وأمثاله أسباب لما قضى به قدر الله في العالمين .
ثم مع ذلك فلله في كل زمان فترة من الرسل -كما قال - الإمام أحمد ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ، وإن كانوا هم الأقلين . بهم تقوم حجة الله في دق الدين وجله ، ويحفظ بهم عمود الدين فرعه وأصله إلى يوم الدين . هم الوسط في هذه الأمة ، كما أن هذه الأمة هم الوسط في الناس ، فهم شهداء عليهم بما أخذوه عن خاتم النبيين ، وهم ورثة الأنبياء فيما جاءوا به من العلم ، وخلفاء الرسل فيما قاموا به من البلاغ المبين ، [ ص: 44 ] وقد يتفرق فيهم علم النبوة إذا لم يقم به واحد ، ويغفر للمخطئ منهم في مجتهداته إذا لم يكن عن سنن الاجتهاد بحائد ، كما يعذر بعدم البلاغ كثير من المؤمنين . بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى