فهذا تقرير لما ذكرتموه من قولكم : "لا نسلم أن معتبرا حرم تأويلا يشهد العقل بصحته عند الحاجة إليه ، لعالم متبحر لا يرضى بأسر التقليد ، ولا يرى أن يستعمل في كشف الحقائق نور البصيرة الذي هو من أجل نعم الله على العبيد" . 
وجوابه من وجوه : 
أحدها : ما تكلمنا في تحريم جنس التأويل وجوازه شيئا ، وإنما تكلمنا في صحته وفساده ، فقلنا :  "إذا بحث الإنسان وفحص وجد ما يقوله المتكلمون من التأويل الذي يخالفون به أهل [الحديث] باطلا  ، وتيقن [أن] الحق مع أهل الحديث ظاهرا وباطنا" . 
وسنبين إن شاء الله بالنقول المستفيضة أن الخلاف وقع في أعيان هل هي صحيحة أو فاسدة ، بل قد بينا في نفس تلك المناظرة  [ ص: 92 ] فساد تأويل اليد بما ذكروه فيها من التأويل ، ولم نتعرض للتحريم ولا للتحليل . وإذا كان أول الكلام وأوسطه وآخره إنما هو في صحة التأويل المعين والمطلق وفساده ، فالكلام في التحريم نفيا وإثباتا كلام آخر ليس بوارد علينا . ولولا أنا في هذا المقام غرضنا بيان عدم ورود الأسولة علينا بالكلية لذكرنا نصوص المختلفين ، وإنما نؤخر ذلك إلى المقام الثاني إن شاء الله . 
إن الأسولة تارة تكون موجهة واردة ، وتارة لا تكون كذلك ، والسؤال الوارد منه [ما] يوجب انقطاع المستدل ، ومنه ما لا يوجب انقطاعه ، إن أجاب عن ضبط حدود النظر والمناظرة هدي إن شاء [الله] إلى الهدى والسداد ، اللذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا بمسألتهما من الله . 
والغرض الضبط العلمي الديني ، لا الضبط العنادي الذي مضمونه الكلام بلا علم أو عدم قصد الحق . وأما الاصطلاح المحض فأنت فيه بالخيار ، ويجب أن تعرف حقيقة هذا النقل وتدين في قولهم : "الإسناد من الدين ، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" . فإن كان النقل مشهورا -مثل أن يقال : مذهب أهل الحديث أن الله يرى في الآخرة ، والإيمان بالشفاعة ، أو جمهورهم ونحو ذلك- لم يطلب في مثل هذا الإسناد . فإن نقل : مذهب أهل الحديث بأن الله يرى  هو الصحيح ، فقد تضمن هذا نقلا وحكما ، فيجوز أن يقال : لا نسلم أنه هو الصحيح ، وقد يقال أيضا : من أين علمتم؟  [ ص: 93 ] فالمستدل في الأدلة في خطاب أو كتاب إذا قال : مذهب فلان كذا ، لم يرد عليه لا منع ولا معارضتها ، وقد يعترض النقل بنقل آخر . وفي الحكم ورد عليه منع النقل ومعارضته بأن : من ذكر هذا؟ أو من حكاه؟ أو قد نقل فلان عنه بخلافه . لكن فرق بين منع النقل وبين منع الحكم وبين منع الدلالة ، فإن النقل لا يمنع منعا محضا إلا أن يكون المانع يعلم انتفاء ذلك المنقول ، مثل أن يعلم أن مذهب الشخص أو روايته بخلاف ذلك ، كمن قال : سمع  مالك   ابن عمر  يقول كذا ، فيقول المعترض : ما سمع  مالك  منه شيئا . وأما إن كان صدقه ممكنا ، فإن غلب على الظن خيرته وعدالته اكتفي بذلك . 
( آخر ما وجد ، والله أعلم . وليست كاملة ) .  [ ص: 94 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					