وكذلك التوسل بذوات الملائكة والأنبياء والصالحين  أيضا كذلك ، فإن أعظم الوسائل للخلق إلى الله هو محمد   - صلى الله عليه وسلم - ، وأعظم وسائل الخلق إلى الله التوسل بإيمان به : بتصديقه فيما أخبر ،  [ ص: 121 ] وطاعته فيما أوجب وأمر ، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ، وتحليل ما حلل ، وتحريم ما حرم ، وإرضائه ومحبته ، وتقديمه في ذلك على الأهل والمال . فهذه الوسيلة التي أمرنا الله بها في قوله : اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة   . فالوسيلة ما يتوسل به ، [و] هو ما يتوصل [به] ، والتوسل والتوصل إلى الله إنما هو بالإيمان بالرسول وتصديقه وطاعته  ، لا وسيلة للخلق إلى الله إلا هذه الوسيلة . ثم من آمن بالرسول إذا دعا له الرسول وشفع فيه ، كان دعاء الرسول وشفاعته مما يتوسل به . فهذا هو التوسل بالرسول . 
فأما إذا قدر أن الرجل لم يطعه ، وهو لم يدع للإنسان ، فنفس ذات الرسول لا ينفع الإنسان شيئا ، بل هو أعظم الخلق عند الله قدرا وجاها ، وذلك فضل الله عليه وإحسانه إليه ، وإنما ينتفع العباد من ذلك بما يقوم بهم من الإيمان به ، أو ما يقوم به من الدعاء لهم . فأما إذا قام بهم دعاؤه والإقسام به فهذا لا ينفعهم . 
والدعاء من أفضل العبادات  ، ولم ينقل أحد عنه أنه شرع لأمته الإقسام بأحد من الأنبياء والصالحين على الله ، فمن جعل ذلك مشروعا -واجبا أو مستحبا- فقد قفا ما لا علم له به ، وقال قولا بلا حجة ، وشرع دينا لم يأذن به الله . 
وإذا لم يكن ذلك واجبا ولا مستحبا كان من فعله معتقدا أنه واجب أو مستحب مخطئا في ذلك ، وإذا كان مجتهدا [أو] مقلدا  [ ص: 122 ] فله حكم أمثاله من المجتهدين والمقلدين يعفى عن خطئه . فأما إذا أنكر على غيره بلا علم ، ورد الأقوال بلا حجة ، وذم غيره ممن هو مجتهد أو مقلد ، فهو مستحق للتعزير والزجر ، وإن كان المنازع له مخطئا ، فإن المجتهد المخطئ غفر الله له خطأه ، فكيف إذا كان المنازع له المصيب وهو المخطئ؟! 
ولكن شأن أهل البدع أنهم يبتدعون بدعة ، ويوالون عليها ويعادون ، ويذمون بل يفسقون بل يكفرون من خالفهم ، كما يفعل الخوارج  والرافضة  والجهمية  وأمثالهم . وأما أهل العلم والسنة فيتبعون الحق الذي جاء به الكتاب والسنة ، ويعذرون من خالفهم إذا كان مجتهدا مخطئا أو مقلدا له ، فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان  ، وقد قال في دعاء المؤمنين : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا   . وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء ، وقال : قد فعلت . 
والكلام على هذه المسائل قد بسط في مواضع غير هذا ، وصنفت فيه مصنفات ، وللعلماء في ذلك وما يتعلق به من الكلام ما لا يتسع له هذا الموضع . والله أعلم . 
(آخره . والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد  وآله وسلم تسليما) .  [ ص: 123 ] 
				
						
						
