(ثم قال بعد ذلك) : ومن قال من المعتزلة  والكلابية   : إن القرآن المنزل حكاية ذلك ، وظنوا أن المبلغ حاك لذلك الكلام  ، ولفظ الحكاية قد يراد به محاكاة الناس فيما يقولونه ويفعلونه اقتداء بهم وموافقة لهم; فمن قال : إن القرآن حكاية كلام الله تعالى بهذا المعنى ، فقد غلط وضل ضلالا مبينا ، فإن القرآن لا يقدر الناس على أن يأتوا بمثله ، ولا يقدر أحد أن يأتي بما يحكيه . 
وقد يراد بلفظ "الحكاية" النقل والتبليغ ، كما يقال : "فلان حكى عن فلان أنه قال كذا" ، كما يقال عنه : "نقل عنه" . فهذا بمعنى التبليغ للمعنى . وقد يقال : "حكي عن فلان أنه قال كذا وكذا" ، لما قاله بلفظه ومعناه ، فالحكاية هنا بمعنى التبليغ للفظ والمعنى ، لكن يفرق بين أن يقول : حكيت كلامه على وجه المماثلة له ، وبين أن يقول : حكيت عنه كلامه ، وبلغت عنه أنه قال مثل قوله من غير تبليغ عنه ، وقد يراد به المعنى الآخر ، وهو أنه بلغ عنه ما قاله . 
فإن أريد المعنى الأول جاز أن يقال : هذا حكاية كلام فلان ،  [ ص: 129 ] وهذا مثل كلام فلان ، وليس هو مبلغا عنه كلامه . وإن أريد به المعنى الثاني -وهو ما إذا حكى الإنسان عن غيره ما يقوله وبلغه عنه- فهنا يقال : هذا كلام فلان ، ولا يقال : هذا حكاية كلام فلان . 
كما لا يقال : هذا مثل كلام فلان . بل قد يقال : هذا كلام فلان بعينه ، بمعنى أنه لم يغيره ولم يحرف ، ولم يزد ولم ينقص .  [ ص: 130 ] 
				
						
						
