واستحالة الأجسام بعضها إلى بعض معلوم بالمشاهدة ، وهو مما تطابق عليه أهل الطبائع والشرائع وأهل العادات ، والأطباء يعرفون استحالة الأجسام بعضها إلى بعض ، وغيرهم . وكذلك الفقهاء تكلموا في استحالة الطاهر إلى النجس ، واستحالة النجس إلى الطاهر ، وفي الماء والمائع إذا خالطته النجاسة هل يستحيل أم لا؟
والذين أنكروا ذلك وقالوا بالجوهر الفرد زعموا أن كل ما شهد العباد أن الله يخلقه من سحاب ونبات ومطر وإنسان وحيوان ، فإن الله -فيما زعموا-[لم] يبدع تلك الأعيان والجواهر القائمة بأنفسها ، [ ص: 171 ] وإنما يحدث أعراضا ، وهو تركيب الجواهر بعضها مع بعض ، ثم زعموا أن الجواهر إنما يعلم أنه خلقها بالاستدلال ، وهو أنها لا تخلو من الأعراض الحادثة ، وما لا يخلو إذن فهو حادث . وعلى هذا اعتمدوا في خلق الله للعالم وفي إثبات الصانع ، وجعلوا ذلك أصل دين المسلمين ، ثم التزموا لوازم من إنكار الصفات أو بعضها ، ومن ، إنكار الرؤية ، وغير ذلك . والقول بخلق القرآن
فتسلط عليهم السلف والأئمة وعلماء السنة بالتبديع والتكفير مع التجهيل والتضليل ، وتسلط عليهم طوائف العقلاء الذين فهموا كلامهم بالتجهيل والتضليل ، وخالفوا الحس والعقل والشرع الذي هو خبر الصادق ، وهذه الثلاثة هي مدارك العلم عندهم وعند غيرهم ، كما ذكروا ذلك في أول كتبهم .
أما مخالفة الحس فقولهم : إن الله لم يبدع عين الإنسان والحيوان ، ولا عين الثمار والمطر والسحاب ، وإنما أحدث تأليفا . وعلى قولهم تلك الجواهر التي كانت في بني آدم باقية بأعيانها في كل واحد من ولده ، ومعلوم أن هذا غير ممكن ، فإن مني الرجل الواحد لا يحتمل أن ينقسم أقساما بعدد كل من ولد من الآدميين . وكذلك عندهم أن كل بني الآدميين فيه جزء من بني نوح ، لأنه عندهم لم يبدع الله عينا ، بل نفس مني الأب فيه الجواهر ، ركبها تركيبا آخر ، وضم إليها جواهر أخر .
وأما مخالفة العقل فإثبات الجوهر الفرد إثبات شيء موجود لا يتميز منه شيء عن شيء ، فإذا وضع جوهر بين جوهرين ، فإن كان [ ص: 172 ] الذي يماس هذا الجانب فقد التقى الجوهران ، وإن كان غيره فقد ثبت الانقسام .