وجاءتنا أخبار مع غير واحد بأن الخربندا  أخا قازان  قد قدم الروم  وهو يجمع العساكر للقدوم . وقدمت بنت لبيدرا  كانت مأسورة في بيت قازان  ، وذكرت أحوالا من الكلام بين قازان  وأخيه الخربندا  وأمه ، تدل على ذلك ، وأن الخربندا  هو في نية فاسدة  [ ص: 302 ] للمسلمين ، وأمه تنهاه عن ذلك ، وهو لا يقبل ، ويوقع بينهم فتنة . 
فليس من الواجب أن يترك نصر الله ورسوله والجهاد في سبيل الله إذا كان عدو الله وعدو المسلمين قد وقع البأس بينهم ، بل هناك يكون انتهاز الفرصة ، ولا يحل للمسلمين أن ينتظروهم حتى يطأوا بلاد المسلمين كما فعلوا عام أول ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  "ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا"  . 
والله قد فرض على المسلمين الجهاد لمن خرج عن دينه  وإن لم يكونوا يقاتلونا ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه يجهزون الجيوش إلى العدو وإن كان العدو لا يقصدهم ، حتى إنه لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مصيبته أعظم المصائب ، وتفرق الناس بعد موته واختلفوا ، نفذ  أبو بكر الصديق  رضي الله عنه جيش  أسامة بن زيد  الذي كان قد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام  إلى غزو النصارى ، والمسلمون إذ ذاك في غاية الضعف . 
فلما رآهم العدو فزعوا وقالوا : لو كان هؤلاء . . . . ما بعثوا جيشا . 
وكذلك  أبو بكر الصديق  لما حضرته الوفاة قال  لعمر بن الخطاب   : لا يشغلكم مصيبتكم بي عن جهاد عدوكم  . وكانوا هم قاصدين  [ ص: 303 ] للعدو لا مقصودين . 
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته ، وهو يقول :  "نفذوا جيش  أسامة  ، نفذوا جيش  أسامة"  ، لا يشغله ما هو فيه من البلاء الشديد عن مجاهدة العدو . وكذلك  أبو بكر   . 
والساعة لما ذهب أمير بحلب  بعسكر إلى الجزيرة  وتصيد هناك ، طار الصيت في تلك البلاد بمجيء العسكر ، فامتلأت قلوب البنجاي رعبا ، حتى صاروا يريدون أن يظهروا زي المسلمين لئلا يؤخذوا ، وفي قلوب العدو رعب لا يعلمه إلا الله ، وقد هيئ لهم في البلاد إقامات كثيرة من الشعير وغيره ، والمسلمون هناك يدعون الله أن يكون رزق المسلمين . 
				
						
						
