وتنفير الكفار عن الإسلام كتنفير أهل التأويل عن الرجوع إلى الحق والتوبة من ذلك الخطأ . وهذا في الأنكحة والمعاوضات والمقاسمات .
وكذلك في ظاهر المذهب الموافق لقول جمهور العلماء ، وهو قول ما أتلفه أهل البغي على أهل العدل من النفوس والأموال ، لا يجب عليهم ضمانه أبي حنيفة في أحد قوليه ، كما أجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين . قال والشافعي : وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون ، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر . وذلك لأنهم متأولون ، وإن كان ما فعلوه حراما في نفس الأمر . [ ص: 387 ] الزهري
وفي أهل الردة أيضا روايتان ، أصحهما أنهم لا يضمنون كأهل الحرب ، كما أشار به رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لما قال لأهل الردة : تدوا قتلانا ولا ندي قتلاكم ، فقال أبي بكر : لا ، لأنهم قوم قتلوا في سبيل الله واستشهدوا . دل على ذلك كتاب الله في عفوه عن الخطأ ، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصة عمر وقصة أسامة بن زيد عمار بن ياسر وعدي بن حاتم وغير ذلك . وأبي ذر
فما قبضه المسلم بعقد متأولا فيه ملكه ، ولو تحاكم اثنان في عقد اعتقدا صحته بعد القبض فينبغي للحاكم أن يقرهما على ذلك التقابض .
ويجوز معاملة المسلم فيما قبضه بهذا الوجه ، ولهذا أمر لمن يعامل السلطان في وقته أن يكون بينه وبينه آخر ، وكلما بعد كان أجود ، لأن المباشر لهم قد يستحل من المعاملة باجتهاد أو تقليد ما لا يستحله المستفتي ، فإذا قبضه المباشر بتأويله حل للمستفتي حينئذ . أحمد
ونظير هذا قول في الخمر والخنزير : ولوهم بيعها وخذوا أثمانها ، ولا تبيعوها أنتم . فإن عمر [ ص: 388 ] والخنزير ، ويحل له قبض ثمن ذلك ممن باعه بتأويله في دينه . المسلم لا يحل له بيع الخمر
فالمسلم الذي قبض بتأويل أولى . فهذا مأخذ لقول . أحمد
وله مأخذ ثان : أن الظالم إذا باع المغصوب فالمشتري قبض عوض ماله ، والأموال التي بأيديهم مجهولة الملك ، فالعوض فيها كالمعوض . فالمستفتي قبض ممن قبض عوض [ماله] ، ولم يقبض ممن قبض نفس مال الغير . ولهذه القاعدة فروع في جواباتي في الفتاوى .
وما قبضه الإمام من الحقوق -الزكوات والخراج وغير ذلك- بتأويل من اجتهاد أو تقليل وجبت طاعته فيه ، كما يجب طاعة الحاكم في الحكم المتنازع فيه ، فإذا طلب أخذ القيمة أو أخذ ما فضل عن الفرائض ونحو ذلك أطيع في ذلك ، وتبرأ ذمة المسلم بما يدفعه من ذلك .
وهل يجزئه ذلك إذا كان يعتقد أنه لا يجزئه لو فعله؟ الصواب أنه يجزئه ، كما ذكر أصحابنا في الخلطة أنه لو أخذ القيمة أو الكبير عن الصغير فإنه يرجع أحد الخليطين على الآخر بذلك ، وإطلاقهم يقتضي أنه يجزئ .