ثم إنه بعد ذلك حدثت دولة بني بويه  الأعاجم ، وغلبوا على الخلافة ، وازداد الأمر عما كان عليه ، وبقوا قريبا من مائة عام إلى بعد المائة الرابعة بنحو من ثلاثين سنة أو نحوها حدثت دولة السلاجقة الأتراك ، وغلبوا على الخلافة أيضا . 
وكان أحيانا تقوى دولة بني العباس  بحسن تدبير وزرائهم   -كما جرى في وزارة ابن هبيرة-  بما يفعلونه من العدل واتباع الشريعة ،  [ ص: 394 ] وينهضون به من الجهاد ، وكان ملوك النواحي يعطونهم السكة والخطبة وطاعة يسيرة تشبه قبول الشفاعة . فأما الولايات وإمارة الحروب وجباية الأموال وإنفاقها فكانوا خارجين فيه عن أمر الخلفاء . 
وكانت سيرة الملوك تختلف ، فمنهم العدل المتبع للشريعة ذو القوة والأمانة ، المقيم للجهاد وللعدل ، كنور الدين محمود بن زنكي  بالشام  والجزيرة  ومصر;  ومنهم الملك المسلم المعظم لأمر الله ورسوله ، كصلاح الدين;  ومنهم غير ذلك أقسام يطول شرحها . 
وهكذا هم في وضع الوظائف ، فمن الملوك والوزراء من يسرف فيها وضعا وجباية; ومنهم من يستن بما فعل قبله ، ويجري على العادة ، فيجري هو والذي قبله على القسم الرابع; ومنهم من يجتهد في ذلك اجتهادا ملكيا يشبه القسم الثالث; ومنهم من يقصد اتباع الشريعة وإسقاط ما يخالفها ، كما فعل نور الدين  لما أسقط الكلف السلطانية المخالفة للشريعة التي كانت توجد بالشام  ومصر  والجزيرة  ، وكانت أموالا عظيمة جدا ، وزاد الله البركات ، وفتح البلاد وقمع العدو بسبب عدله وإحسانه . 
				
						
						
