ومنه بيت " الكتاب " :
إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها سواقط من حر وقد كان أظهرا
[ ص: 60 ] ولو أتى على وجهه لقال : " إذا الوحش ضمها " .وإنما يسأل عن حكمته إذا وقع في الجملة الواحدة ، فإن كان في جملتين مستقلتين كالبيت سهل الأمر ، لكن الجملتين فيه كالجملة الواحدة ; لأن الرافع للوحش الأول فعل محذوف كما يقول البصريون ، والفعل المذكور ساد مسد الفعل المحذوف حتى كأنه هو ; ولهذا لا يجتمعان ، وإن قدر رفع الوحش بالابتداء فالكلام جملة واحدة .
ويسهل عند اختلاف اللفظين كقوله :
إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا
وقوله : والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان ( النساء : 76 ) وفيه دلالة على أن الطاغوت هو الشيطان ، وحسن ذلك هنا تنبيها على تفسيره .
[ ص: 61 ] وقال ابن السيد : " إن كان في جملتين حسن الإظهار والإضمار ; لأن كل جملة تقوم بنفسها ; كقولك : " جاء زيد ، وزيد رجل فاضل " وإن شئت قلت : " وهو رجل فاضل " .
وقوله : مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته ( الأنعام : 124 ) ، وإن كان في جملة واحدة قبح الإظهار ، ولم يكد يوجد إلا في الشعر ، كقوله :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
واعلم أن الأصل في الأسماء أن تكون ظاهرة ، وأصل المحدث عنه كذلك ، والأصل أنه إذا ذكر ثانيا أن يذكر مضمرا للاستغناء عنه بالظاهر السابق ، كما أن الأصل في الأسماء الإعراب ، وفي الأفعال البناء ، وإذا جرى المضارع مجرى الاسم أعرب ; كقوله تعالى : فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ( العنكبوت : 17 ) .
وقوله تعالى : فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ( الشورى : 40 ) .
وقوله تعالى : فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( النصر : 3 )