الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 471 ] تنبيهان

الأول : هذا القسم يشبه الاستعارة في بعض المواضع ، والفرق بينهما - كما قاله حازم وغيره - أن الاستعارة وإن كان فيها معنى التشبيه فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها ، والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك ؛ لأن تقدير حرف التشبيه واجب فيه .

وقال الرماني في قوله تعالى : وآتينا ثمود الناقة مبصرة ( الإسراء : 59 ) أي : تبصرة ؛ لأنه لا يجوز تقدير حرف التشبيه فيها .

وقد اختلف البيانيون في نحو قوله تعالى : صم بكم عمي ( البقرة : 18 ) إنه تشبيه بليغ أو استعارة ؟ والمحققون كما قاله الزمخشري على الأول ، قال : لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون ، أي : مذكور في تقدير الآية ، والاستعارة لا يذكر فيها المستعار له ، ويجعل الكلام خلوا عنه ، بحيث يصلح لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه ، لولا القرينة ، ومن ثم ترى المفلقين السحرة منهم كأنهم يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا .

وقال السكاكي : لأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر وتناسي التشبيه ، وزيد أسد لا يمكن كونه حقيقة ، فلا يجوز أن يكون استعارة .

الثاني قد يترك التشبيه لفظا ويراد معنى ، إذ لو لم يرد معنى ولم يكن منويا كان استعارة .

مثاله قوله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ( البقرة : 187 ) فهذا تشبيه لا استعارة ، لذكر الطرفين : الخيط الأسود ، وهو ما يمتد من غسق الليل [ ص: 472 ] شبيها بخيط أسود وأبيض ، وبينا بقوله : من الفجر والفجر - وإن كان بيانا للخيط الأبيض - لكن لما كان أحدهما بيانا للآخر لدلالته عليه اكتفي به عنه ، ولولا البيان كان من باب الاستعارة ، كما أن قولك : رأيت أسدا ، استعارة ، فإذا زدت : من فلان ، صار تشبيها ، وأما أنه لم زيد من الفجر حتى صار تشبيها ؟ وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ ؟ فلأن شرط الاستعارة أن يدل عليه الحال . ولو لم يذكر من الفجر لم يعلم أن الخيطين مستعاران من " بدا الفجر " فصار تشبيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية