الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
السادس

من الغيبة إلى الخطاب

كقوله : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا ( مريم : 88 - 89 ) ولم يقل : " لقد جاءوا " للدلالة على أن من قال مثل قولهم ينبغي أن يكون موبخا عليه ، منكرا عليه قوله ، كأنه يخاطب به قوما حاضرين .

وقوله : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ( مريم : 39 ) ثم قال : وإن منكم إلا واردها ( مريم : 71 ) .

وقوله : وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء ( الإنسان : 21 - 22 ) .

وقوله : فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم ( آل عمران : 106 ) .

وقوله : فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم ( التوبة : 35 ) .

وقوله : ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( الفرقان : 45 ) ثم قال : ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ( الفرقان : 45 ) .

وقوله : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم ( البقرة : 6 ) الآية .

وقوله : وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا ( البقرة : 57 ) .

وقوله : إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ( الأحزاب : 50 ) .

وقوله : ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( الأنعام : 6 ) .

وقوله حكاية عن الخليل : اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ( العنكبوت : 16 - 17 ) [ ص: 389 ] إلى قوله : فما كان جواب قومه ( العنكبوت : 24 ) .

وقوله : إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وبرزوا لله جميعا ( إبراهيم : 19 - 20 - 21 ) .

وقوله : واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ( الأعراف : 175 ) إلى قوله : فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ( الأعراف : 176 ) .

وقوله : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب الآية ( المائدة : 38 - 39 ) .

وجعل بعضهم منه قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ( المائدة : 6 ) وهو عجيب ؛ لأن " الذين " موصول لفظه ، ولا بد له من عائد ؛ وهو الضمير في " آمنوا " ، فكيف يعود ضمير مخاطب على غائب ؟ ! فهذا مما لا يعقل .

وقوله : مالك يوم الدين إياك نعبد ( الفاتحة : 4 - 5 ) فقد التفت عن الغيبة وهو : مالك ( الفاتحة : 4 ) إلى الخطاب وهو : إياك نعبد ( الفاتحة : 5 ) .

ولك أن تقول : إن كان التقدير : قولوا : الحمد لله ، ففيه التفاتان . أعني في الكلام المأمور به .

أحدهما : في لفظ الجلالة ، فإن الله تعالى حاضر ، فأصله : " الحمد لك " .

والثاني : إياك ( الفاتحة : 5 ) لمجيئه على خلاف الأسلوب السابق ، وإن لم يقدر " قولوا " كان في " الحمد لله " التفات عن التكلم إلى الغيبة ؛ فإن الله سبحانه حمد نفسه ، ولا يكون في ( إياك نعبد ) ( الفاتحة : 5 ) التفات ؛ لأن " قولوا " مقدرة معها قطعا ، فإما أن يكون في الآية التفاتين أو لا التفات بالكلية .

التالي السابق


الخدمات العلمية