الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الرابع

تنقسم إلى مرشحة - وهي أحسنها - وهي أن تنظر إلى جانب المستعار وتراعيه ، كقوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم ( البقرة : 16 ) فإن المستعار منه الذي هو الشراء هو المراعى هنا ، وهو الذي رشح لفظتي الربح والتجارة للاستعارة لما بينهما من الملاءمة .

وإلى تجريدية ، وهي أن تنظر إلى جانب المستعار له ، ثم تأتي بما يناسبه ويلائمه ، كقوله تعالى : فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ( النحل : 112 ) فالمستعار اللباس ، والمستعار له الجوع ، فمجرد الاستعارة بذكر لفظ الأداة المناسبة للمستعار له وهو الجوع ، لا المستعار وهو اللباس ، ولو أراد ترشيحها لقال : وكساها لباس الجوع . وفي هذه الآية مراعاة المستعار له الذي هو المعنى ، وهو الجوع والخوف ؛ لأن ألمهما يذاق ولا يلبس ، ولا يكسى .

وقد تجيء ملاحظة المستعار الذي هو اللفظ ، كقوله تعالى : وامرأته حمالة الحطب ( المسد : 4 ) [ ص: 488 ] إذا حملنا الحطب على النميمة ، فاعتبر اللفظ فقال : " حمالة " ولم يقل : " راوية " فيلاحظ المعنى .

وأما الاستعارة بالكناية فهي ألا يصرح بذكر المستعار ، بل تذكر بعض لوازمه تنبيها به عليه ، كقوله : شجاع يفترس أقرانه ، وعالم يغترف منه الناس ، تنبيها على أن الشجاع أسد والعالم بحر .

ومنه المجاز العقلي كله عند السكاكي .

ومن أقسامها - وهو دقيق - أن يسكت عن ذكر المستعار ، ثم يومي إليه بذكر شيء من توابعه وروادفه ؛ تنبيها عليه فتقول : شجاع يفترس أقرانه ، فنبهت بالافتراس على أنك قد استعرت له الأسد .

ومنه قوله تعالى : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه فنبه بالنقض الذي هو من توابع الحبل وروادفه ، على أنه قد استعار للعهد الحبل لما فيه من باب الوصلة بين المتعاهدين .

ومنها قوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ( الفرقان : 23 ) لأن حقيقته " عملنا " لكن " قدمنا " أبلغ ؛ لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفره ؛ لأنه من أجل إمهالهم السابق عاملهم كما يفعل الغائب عنهم إذا قدم فرآهم على خلاف ما أمر به ، وفي هذا تحذير من الاغترار بالإمهال .

وقوله : إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ( الحاقة : 11 ) لأن حقيقة " طغى " علا ، والاستعارة أبلغ ؛ لأن " طغى " علا قاهرا .

[ ص: 489 ] وكذلك بريح صرصر عاتية ( الحاقة : 6 ) لأن حقيقة عاتية : شديدة ، والعتو أبلغ ؛ لأنه شدة فيها تمرد .

وقوله : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك . . . الآية ، وحقيقته : لا تمنع ما تملك كل المنع ، والاستعارة أبلغ ؛ لأنه جعل منع النائل بمنزلة غل اليدين إلى العنق ، وحال الغلول أظهر .

وقوله تعالى : وأخرجت الأرض أثقالها قيل : أخرجت ما فيها من الكنوز .

وقيل : يحيي به الموتى وأنها أخرجت موتاها ، فسمى الموتى ثقلا تشبيها بالحمل الذي يكون في البطن ؛ لأن الحمل يسمى ثقلا ، قال تعالى : فلما أثقلت ( الأعراف : 189 ) .

ومنها جعل الشيء للشيء ، وليس له من طريق الادعاء والإحاطة به نافعة في آيات الصفات ؛ كقوله تعالى : تجري بأعيننا ( القمر : 14 ) .

وقوله : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( الزمر : 67 ) ويسمى التخييل ، قال الزمخشري : ولا تجد بابا في علم البيان أدق ولا أعون في تعاطي المشبهات منه ، وأما قوله تعالى : كأنه رءوس الشياطين ( الصافات : 65 ) قال الفراء : فيه ثلاثة أوجه .

أحدها : أنه جعل طلعها رءوس الشياطين في القبح .

والثاني : أن العرب تسمي بعض الحيات شيطانا وهو ذو القرن .

الثالث : أنه شوك قبيح المنظر يسمى رءوس الشياطين .

فعلى الأول يكون تخييلا ، وعلى الثاني يكون تشبيها مختصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية