الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثالث

بالعلة والسببية

كتقديم " العزيز " على " الحكيم " ؛ لأنه عز فحكم ، وتقديم " العليم " على " الحكيم " ؛ لأن الإتقان ناشئ عن العلم ، وكذا أكثر ما في القرآن من تقديم وصف العلم على الحكمة ؛ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( البقرة : 32 ) .

ويجوز أن يكون قدم وصف العلم هنا ليتصل بما يناسبه وهو لا علم لنا ( البقرة : 32 ) ويجوز أن يكون قدم وصف العلم هنا وفي غيره من نظائره ؛ لأنه صفات ذات فيكون من القسم قبله .

ومنه قوله : إياك نعبد وإياك نستعين ( الفاتحة : 5 ) قدمت العبادة لأنها سبب حصول الإعانة .

[ ص: 318 ] وقوله : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( البقرة : 222 ) فإن التوبة سبب الطهارة .

وكذا ويل لكل أفاك أثيم ( الجاثية : 7 ) لأن الإفك سبب الإثم .

وكذا وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ( المطففين : 12 ) .

وقوله : وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ( الفرقان : 48 - 49 ) قدم إحياء الأرض لأنه سبب إحياء الأنعام والأناسي ، وقدم إحياء الأنعام لأنه مما يحيا به الناس بأكل لحومها وشرب ألبانها .

وكذا كل علة مع معلولها ؛ كقوله : واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( الأنفال : 28 ) قيل : قدم الأموال من باب تقديم السبب ، فإنه إنما شرع النكاح عند قدرته على مئونته فهو سبب والتزويج سبب للتناسل ، ولأن المال سبب للتنعيم بالولد ، وفقده سبب لشقائه .

وكذا تقديم النساء على البنين في قوله تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ( آل عمران : 14 ) وأخر ذكر الذهب والفضة عن النساء والبنين ؛ لأنهما أقوى في الشهوة الجبلية من المال ، فإن الطبع يحث على بذل المال فيحصل النكاح ، والنساء أقعد من الأولاد في الشهوة الجبلية ، والبنون أقعد من الأموال ، والذهب أقعد من الفضة ، والفضة أقعد من الأنعام ؛ إذ هي وسيلة إلى تحصيل النعم ، فلما صدرت الآية بذكر الحب ، وكان المحبوب مختلف المراتب ، اقتضت حكمة الترتيب أن يقدم ما هو الأهم فالأهم في رتبة المحبوبات .

[ ص: 319 ] وقال الزمخشري في قوله تعالى : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ( النساء : 147 ) قدم الشكر على الإيمان ؛ لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما ، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا متصلا ، فكان الشكر متقدما على الإيمان ، وكأنه أصل التكليف ومداره . انتهى .

وجعله غيره من عطف الخاص على العام ؛ لأن الإيمان من الشكر ، وخص بالذكر لشرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية