الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثاني

تغليب المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب

فيقال : أنا وزيد فعلنا ، وأنت وزيد تفعلان ، ومنه قوله تعالى : بل أنتم قوم تجهلون النمل : 55 ) بتاء الخطاب ، غلب جانب ( أنتم ) على جانب " قوم " " والقياس أن يجيء بالياء ؛ لأنه صفة لـ ( قوم ) ، و ( قوم ) اسم غيبة ، ولكن حسن آخر الخطاب ، وصفا لـ ( قوم ) لوقوعه خبرا عن ضمير المخاطبين " قاله ابن الشجري .

ولو قيل : إنه حال لـ فتلك بيوتهم خاوية ( النمل : 52 ) لأن في ضمير الخطاب معنى الإشارة لملازمته لها أو لمعناها ، لكان متجها ، وإن لم تساعده الصناعة ، لكن يبعده أن المراد وصفهم بجهل مستمر ، لا مخصوص بحال الخطاب ، ولم يقل " جاهلون " إيذانا بأنهم يتجددون عند كل مصيبة لطلب آيات جهلهم .

[ ص: 371 ] وقال أبو البركات بن الأنباري : ولو قيل : إنما قال : تجهلون ( النمل : 52 ) بالتاء ؛ لأن ( قوم ) هو ( أنتم ) في المعنى ؛ فلذلك قال : " تجهلون " حملا على المعنى لكان حسنا ، ونظيره قوله :

أنا الذي سمتني أمي حيدره بالياء حملا على " أنا " لأن " الذي " هو " أنا " في المعنى .

ومنه قوله تعالى : فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ( هود : 112 ) غلب فيه جانب " أنت " على جانب " من " فأسند إليه الفعل ، وكان تقديره " فاستقيموا " ، فغلب الخطاب على الغيبة ؛ لأن حرف العطف فصل بين المسند إليهم الفعل ، فصار كما ترى . قال صاحب " الكشاف " : تقديره : " فاستقم كما أمرت ، وليستقم كذلك من تاب معك " .

وما قلنا أقل تقديرا من هذا ؛ فاختر أيهما شئت .

وقوله تعالى : اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم ( الإسراء : 63 ) فأعاد الضمير بلفظ الخطاب ، وإن كان " من تبعك " يقتضي الغيبة تغليبا للمخاطب ، وجعل الغائب تبعا له كما كان تبعا له في المعصية والعقوبة ، فحسن أن يجعل تبعا له في اللفظ ، وهو من محاسن ارتباط اللفظ بالمعنى .

وكقوله تعالى : ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( البقرة : 21 ) فإن الخطاب في ( لعلكم ) ( البقرة : 21 ) متعلق بقوله : [ ص: 372 ] خلقكم ( البقرة : 21 ) لا بقوله : اعبدوا ( البقرة : 21 ) حتى يختص بالناس المخاطبين ، إذ لا معنى لقوله : " اعبدوا لعلكم تتقون " .

ومنه قوله تعالى : وما ربك بغافل عما تعملون ( هود : 123 ) فيمن قرأ بالتاء ، ويجوز أن يكون المراد بـ " ما تعملون " الخلق كلهم ، والمخاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل سامع أبدا ، فيكون تغليبا ، ولا يجوز أن يعتبر خطاب من سواه بدونه من غير اعتبار التغليب ، لامتناع أن يخاطب في كلام واحد اثنان أو أكثر من غير عطف أو تثنية أو جمع .

ومنه قوله تعالى . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية