الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وضع النداء موضع التعجب

كقوله تعالى : ياحسرة على العباد ( يس : 30 ) قال الفراء : معناه : فيا لها من حسرة ، والحسرة في اللغة أشد الندم ؛ لأن القلب يبقى حسيرا .

وحكى أبو الحسين بن خالويه في كتاب " المبتدأ " عن البصريين أن هذه من أصعب مسألة في القرآن ؛ لأن الحسرة لا تنادى وإنما تنادى الأشخاص ؛ لأن فائدته التنبيه ، ولكن المعنى على التعجب ؛ كقوله : يا عجبا لم فعلت ! ياحسرتا على ما فرطت ( الزمر : 56 ) وهو أبلغ من قولك : العجب . قيل : فكأن التقدير : يا عجبا احضر ، يا حسرة احضري .

[ ص: 415 ] وقرأ الحسن : " يا حسرة العباد " .

ومنهم من قال : الأصل : " يا حسرتاه " ثم أسقطوا الهاء تخفيفا ، ولهذا قرأ عاصم : " يا أسفاه على يوسف " .

وقال ابن جني في كتاب " الفسر " معناه : أنه لو كانت الحسرة مما يصح نداؤه لكان هذا وقتها .

وأما قوله تعالى : يا بشرى ( يوسف : 19 ) فقالوا : معنى النداء فيما لا يعقل تنبيه المخاطب وتوكيد القصة ، فإذا قلت : يا عجبا ، فكأنك قلت : اعجبوا ، فكأنه قال : يا قوم أبشروا .

قال أبو الفتح في " الخاطريات " : وقد توضع الجملة من المبتدأ والخبر موضع المفعول به ، كقوله تعالى : ولكم فيها منافع ( غافر : 80 ) بعد قوله : الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ( غافر : 79 ) المعنى : ولتنتفعوا بها عطفا على قوله : لتركبوا منها ( غافر : 79 ) وعلى هذا قال : ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ( غافر : 80 ) وكذلك قوله : ومنها تأكلون ( غافر : 79 ) أي : ولتأكلوا منها . ولذلك أتى : وعليها وعلى الفلك تحملون ( غافر : 80 ) فعطف الجملة من الفعل ومرفوعه على المفعول له .

ونظيره قوله تعالى : وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ( المؤمنون : 52 ) أي : ولأني ربكم فاتقون ، فوضع الجملة من المبتدأ والخبر موضع المفعول له .

وبهذا يبطل تعلق من تعلق على ثبوته في قوله تعالى : وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ( التوبة : 3 ) [ ص: 416 ] وقوله : إن هذا ليس من مواضع الابتداء لجواز تقدير : وأذان بأن الله بريء ، وبأن رسوله كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية