القسم الخامس عشر واعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ، ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه ; فلا بد أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا ; لأن الألفاظ أدلة على المعاني ; فإذا زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعاني ضرورة . الزيادة في بنية الكلمة
ومنه قوله تعالى : فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ( القمر : 42 ) فهو أبلغ من " قادر " ; لدلالته على أنه قادر متمكن القدرة ، لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته ، ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى .
وكقوله تعالى : ( واصطبر ) ( القمر : 27 ) فإنه أبلغ من الأمر بالصبر من " اصبر " .
وقوله : لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( البقرة : 286 ) لأنه لما كانت السيئة ثقيلة وفيها تكلف زيد في لفظ فعلها .
وقوله تعالى : وهم يصطرخون فيها ( فاطر : 37 ) ; فإنه أبلغ من " يتصارخون " .
وقوله تعالى : ( فكبكبوا فيها ) ( الشعراء : 94 ) ولم يقل : " وكبوا " قال : والكبكبة تكرير الكب ، جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى ، كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب كبة مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها ، اللهم أجرنا منها خير مستجار . الزمخشري
وقريب من هذا قول الخليل في قول العرب : صر الجندب ، وصرصر البازي ، [ ص: 117 ] كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة فقالوا : صر صريرا ، فمدوا وتوهموا ، في صوت البازي تقطيعا ، فقالوا : " صرصر " .
ومنه الزيادة بالتشديد أيضا ; فإن " ستارا " و " غفارا " أبلغ من " ساتر " و " غافر " ; ولهذا قال تعالى : فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ( نوح : 10 ) ; ومن هذا رجح بعضهم معنى " الرحمن " على معنى " الرحيم " ; لما فيه من زيادة البناء ، وهو الألف والنون ، وقد سبق في السادس .
ويقرب منه التضعيف - ويقال التكثير - وهو أن يؤتى بالصيغة دالة على وقوع الفعل مرة بعد مرة ، وشرطه أن يكون في الأفعال المتعدية قبل التضعيف ; وإنما جعله متعديا تضعيفه ; ولهذا رد على في قوله تعالى : الزمخشري وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا حيث جعل ( نزلنا ) هنا للتضعيف .
وقد جاء التضعيف دالا على الكثرة في اللازم قليلا ، نحو : موت المال .
وجاء حيث لا يمكن فيه التكثير ; كقوله تعالى : لولا أنزل عليه آية من ربه ( الرعد : 7 ) لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( الإسراء : 95 ) .
فإن قلت : فأمتعه قليلا ( البقرة : 126 ) مشكل على هذه القاعدة ; لأنه إذا كان " فعل " للتكثير فكيف جاء " قليلا " نعتا لمصدر " متع " وهذا وصف كثير بقليل ، وإنه ممنوع .
قلت : وصف بالقلة من حيث صيرورته إلى نفاد ونقص وفناء .
واعلم أن زيادة المعنى في هذا القسم مقيد بنقل صيغة الرباعي غير موضوعة لمعنى ; فإنه لا يراد به ما أريد من نقل الثلاثي إلى مثل تلك الصيغة ; فقوله تعالى : وكلم الله موسى تكليما ( النساء : 164 ) لا يدل على كثرة صدور الكلام منه ; لأنه غير منقول عن ثلاثي .
وكذا قوله : ورتل القرآن ترتيلا ( المزمل : 4 ) يدل على كثرة القراءة على هيئة التأني والتدبر .
[ ص: 118 ] وكذا قوله تعالى : وما علمناه الشعر ( يس : 69 ) ليس النفي للمبالغة ; بل نفى أصل الفعل .