ويبقى عليه سؤال ; وهو أنه : لم أوثر ذكر التجارة ؟ وهلا أوثر اللهو ؟ وجوابه ما قاله الراغب في تفسير سورة البقرة : إن التجارة لما كانت سبب انفضاض الذين نزلت فيهم هذه الآية أعيد الضمير إليها ، ولأنه قد تشغل التجارة عن العبادة ما لا يشغله اللهو .
واختلف في مواضع : منها قوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فإنه سبحانه ذكر الذهب والفضة وأعاد الضمير على الفضة وحدها ; لأنها أقرب المذكورين ، ولأن الفضة أكثر وجودا في أيدي الناس ، والحاجة إليها أمس ، فيكون كنزها أكثر ، وقيل : أعاد الضمير على المعنى ; لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال .
ونظيره : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( الحجرات : 9 ) ; لأن الطائفة جماعة ، وقيل : من عادة العرب إذا ذكرت شيئين مشتركين في المعنى تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما ; استغناء بذكره عن الآخر اتكالا على فهم السامع ، كقول حسان : [ ص: 199 ]
إن شرخ الشباب والشعر الأس ود وما لم يعاص كان جنونا
ولم يقل : " يعاصا " .ومنها قوله تعالى : فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ( الأحزاب : 9 ) وقد جعل في كتاب " الهاءات " ضمير لم تروها راجعا إلى الجنود . ابن الأنباري
ونقل عن قتادة قال : " هم الملائكة " والأشبه أن يأتي هنا بما سبق .
ومنها قوله تعالى : والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ( التوبة : 62 ) فقيل : " أحق " خبر عنهما ، وسهل إفراد الضمير بعدم إفراد " أحق " وأن إرضاء الله سبحانه إرضاء لرسوله .
وقيل : " أحق " خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه .
وقيل : العكس ، وإنما أفرد الضمير لئلا يجمع بين اسم الله ورسوله في ضمير واحد ، كما جاء في الحديث : قال قل ومن يعص الله ورسوله : قد يقصدون ذكر الشيء فيذكرون قبله ما هو سبب منه ، ثم يعطفونه عليه مضافا إلى ضميره ، وليس لهم قصد إلى الأول ; كقوله : سرني زيد وحسن حاله ; والمراد : حسن حاله ، وفائدة هذا الدلالة على قوة الاختصاص بذكر المعنى ، ورسول الله أحق أن يرضوه ، ويدل عليه ما تقدمه من قوله : الزمخشري الذين يؤذون النبي ويقولون ( التوبة : 61 ) ولهذا وحد الضمير ، ولم يثن .
ومنها قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه ( الأنفال : 20 ) .
[ ص: 200 ] ومنها قوله : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة ( البقرة : 45 ) ، فقيل : الضمير للصلاة ; لأنها أقرب المذكورين ، وقيل : أعاده على المعنى ; وهو الاستعانة المفهومة من ( استعينوا ) .
وقيل : المعنى على التثنية ; وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه .
ومنها قوله تعالى : ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا وهو نظير آية الجمعة كما سبق .
وفي هاتين الآيتين لطيفتان ، وهما : أن الكلام لما اقتضى إعادة الضمير على أحدهما أعاده في آية الجمعة على التجارة ، وإن كانت أبعد ، ومؤنثة أيضا ; لأنها أجذب للقلوب عن طاعة الله من اللهو ; لأن المشتغلين بالتجارة أكثر من المشتغلين باللهو ، أو لأنها أكثر نفعا من اللهو ، أو لأنها كانت أصلا واللهو تبعا ; لأنه ضرب بالطبل لقدومه ، كما جاء في " صحيح " : البخاري وأعاده في قوله : أقبلت عير يوم الجمعة ومن يكسب خطيئة أو إثما ( النساء : 112 ) على الإثم ; رعاية لمرتبة القرب والتذكير ، فتدبر ذلك .
وأما قوله تعالى : فبذلك فليفرحوا أي : بذلك القول .