انتهى .
وشرط في كتاب " ما اتفق لفظه واختلف معناه " لجوازه وجود دليل على المحذوف من عقل أو قرينة ، نحو : المبرد واسأل القرية أي : أهلها ، قال : ولا يجوز على هذا أن نقول : جاء زيد ، وأنت تريد غلام زيد ; لأن المجيء يكون له ، ولا دليل على المحذوف .
وقال في " الكشاف القديم " : لا يستقيم تقدير حذف المضاف في كل موضع ، ولا يقدم عليه إلا بدليل واضح وفي غير ملبس ، كقوله : الزمخشري واسأل القرية ( يوسف : 82 ) وجاء ربك ( الفجر : 22 ) وضعف بذلك قول من قدر في قوله : وهو خادعهم ( النساء : 142 ) أنه على حذف مضاف .
فإن قلت : كما لا يجوز مجيئه لا يجوز خداعه ; فحين جرك إلى تقدير المضاف امتناع مجيئه ، فهلا جرك إلى مثله امتناع خداعه .
[ ص: 218 ] قلت : يجوز في اعتقاد المنافقين تصور خداعه ; فكان الموضع ملبسا ، فلا يقدر .
انتهى .
فمنه قوله تعالى : لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ( الأحزاب : 21 ) أي : رحمة الله ، وقوله : يخافون ربهم ( النحل : 50 ) أي : عذاب ربهم ، وقد ظهر من هذا أن المضافان من قوله تعالى : ويرجون رحمته ويخافون عذابه ( الإسراء : 57 ) .
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ( الأنبياء : 96 ) أي : سد يأجوج ومأجوج .
واشتعل الرأس شيبا أي : شعر الرأس .
ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ( الإسراء : 110 ) أي : بقراءة صلاتك ، ولا تخافت بقراءتها .
ولكن البر من آمن بالله ( البقرة : 177 ) أي : بر من آمن بالله .
فلما أتاها نودي ( طه : 11 ) أي : ناحيتها ، والجهة التي هو فيها .
هل يسمعونكم إذ تدعون ( الشعراء : 72 ) أي : هل يسمعون دعاءكم ; بدليل الآية الأخرى .
إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ( فاطر : 14 ) .
على خوف من فرعون وملئهم ( يونس : 83 ) أي : من آل فرعون .
إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ( الإسراء : 75 ) أي : ضعف عذابهما ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ( البقرة : 171 ) أي : ومثل واعظ الذين كفروا كناعق الأنعام .
وأزواجه أمهاتهم ( الأحزاب : 6 ) أي : مثل أمهاتهم .
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ( الواقعة : 82 ) أي : شكر رزقكم ، وقيل : تجعلون التكذيب شكر رزقكم .
[ ص: 219 ] وقوله : وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( آل عمران : 194 ) أي : على ألسنة رسلك .
وقوله : وتخونوا أماناتكم ( الأنفال : 27 ) ، أي : ذوي أماناتكم ، كالمودع والمعير والموكل والشريك ، ومن يدك في ماله أمانة لا يد ضمان ، ويجوز أن لا حذف فيه ; لأن خنت من باب أعطيت ، فيتعدى إلى مفعولين ويقتصر على أحدهما .
وقوله : وإلى مدين أخاهم شعيبا ( هود : 84 ) أي : أهل مدين ; بدليل قوله : وما كنت ثاويا في أهل مدين ( القصص : 45 ) .
واسأل القرية التي كنا فيها والعير ( يوسف : 82 ) ، أي : أهل القرية ، وأهل العير .
وقيل : فيه وجهان : أحدهما : أن القرية يراد بها نفس الجماعة .
والثاني : أن المراد سؤال الأبنية نفسها ; لأن المخاطب نبي صاحب معجزة .
الحج أشهر معلومات ( البقرة : 197 ) ويجوز أن يقدر : الحج حج أشهر معلومات .
وجاء ربك والملك ( الفجر : 22 ) أي : أمر ربك .
وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ( البقرة : 93 ) أي : حب العجل ، قال الراغب : إنه على بابه فإن في ذكر العجل تنبيها على أنه لفرط محبتهم صار صورة العجل في قلوبهم لا تمحي .
وقوله : ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ( الفجر : 6 - 7 ) فإرم اسم لموضع ، وهو في موضع جر ، إلا أنه منع الصرف للعلمية والتأنيث ، أما للعلمية فواضح ، وأما التأنيث فلقوله : ذات العماد ( الفجر : 7 ) .
وقوله : قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ( المائدة : 102 ) أي : بسؤالها ; [ ص: 220 ] فحذف المضاف وقدرت بالمصدر المحذوف الإضافة إلى المفعول به ، ولم يكفروا بالسؤال ، إنما كفروا بربهم المسئول عنه ، فلما كان السؤال سببا للكفر فيما سألوا عنه نسب الكفر إليه على الاتساع .
وقيل : الهاء عائدة على غير ما تقدم لقوة هذا الكلام ; بدليل أن الفعل تعدى بنفسه والأول بغيره ، وإنما هذه الآية كناية عما سأل قوم موسى وقوم عيسى من الآيات ، ثم كفروا ، فمعنى السؤال الأول والثاني الاستفهام ، ومعنى الثالث طلب الشيء .
وقوله : حرمت عليكم الميتة ( المائدة : 3 ) أي : تناولها ; لأن الأحكام لا تتعلق بالأجرام إلا بتأويل الأفعال .
وقيل : إن الميتة يعبر بها عن تناولها فلا حذف ، ولو كان ثم حذف لم يؤنث الفعل ، ولأن المركب إنما يحذف إذا كان للكلام دلالة غير الدلالة الإفرادية ، والمفهوم من هذا التركيب التناول من غير تقدير ; فيكون اللفظ موضوعا له ، والمشهور في الأصول أنه من محال الحذف .
وقوله تعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ( العنكبوت : 9 ) فهاهنا إضمار لأن قائلا لو قال : " من عمل صالحا جعلته في جملة الصالحين " لم يكن فائدة ، وإنما المعنى : لندخلنهم في زمرة الصالحين .
وقوله : تجعلونه قراطيس الأنعام : 91 ) أي : ذا قراطيس ، أو مكتوبا في قراطيس تبدونها أي : تبدون مكتوبها .
وقوله : وتخفون كثيرا ( الأنعام : 91 ) ليس المعنى تخفونها إخفاء كثيرا ، ولكن التقدير تخفون كثيرا من إنكار ذي القراطيس ، أي : يكتمونه فلا يظهرونه ، كما قال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ( البقرة : 159 ) .
[ ص: 221 ] ويدل له قوله : قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ( المائدة : 15 ) .
وقوله : فسالت أودية بقدرها ( الرعد : 17 ) أي : بقدر مياهها .
وقوله : ولقد همت به وهم بها ( يوسف : 24 ) أي : هم بدفعها ، أي : عن نفسه في هذا التأويل بتنزيه يوسف - صلى الله عليه وسلم - عما لا يليق به ; لأن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الصغائر والكبائر ، وعليه فينبغي الوقف على قوله : ولقد همت به ( يوسف : 24 ) .
تنبيه اعلم أن المضاف إذا علم جاز حذفه مع الالتفات إليه ; فيعامل معاملة الملفوظ به ; من عود الضمير عليه وغير ذلك ، ومع اطراحه يصير الحكم في عود الضمير للقائم مقامه .
فمثال استهلاك حكمه وتناسي أمره قوله تعالى : واسأل القرية ( يوسف : 82 ) إذ لو راعى المحذوف لجر القرية وجوزوا أيضا مراعاة المحذوف بدليل قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج ( النور : 40 ) فإن الضمير في يغشاه عائد على المضاف المحذوف بتقدير : أو كذي ظلمات .
وقوله : أو كصيب ( البقرة : 19 ) أي : كمثل ذوي صيب ; ولهذا رجع الضمير إليه مجموعا في قوله تعالى : يجعلون أصابعهم في آذانهم ( البقرة : 19 ) ولو لم يراع لأفرده أيضا .
[ ص: 222 ] وقوله : كذبت قوم نوح ( الشعراء : 105 ) ، ولولا ذلك لحذفت التاء ; لأن القوم مذكر ، ومنه قول حسان رضي الله عنه :
يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل
بالياء ، أي : ماء بردى ، ولو راعى المذكور لأتى بالتاء .قالوا : وقد جاء في آية واحدة مراعاة التأنيث والمحذوف ، وهي قوله تعالى : وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ( الأعراف : 4 ) أنث الضمير في أهلكناها و فجاءها ; لإعادتهما على القرية المؤنثة ، وهي الثابتة ، ثم قال : أو هم قائلون فأتى بضمير من يعقل حملا على " أهلها " المحذوف .
وفي تأويل إعادة الضمير على التأنيث وجهان : أحدهما : أنه لما قام مقام المحذوف صارت المعاملة معه .
والثاني : أن يقدر في الثاني حذف المضاف ، كما قدر في الأول ، فإذا قلت : سألت القرية وضربتها ، فمعناه : وضربت أهلها ، فحذف المضاف كما حذف من الأول ; إذ وجه الجواز قائم .
وقيل : هنا مضاف محذوف ، والمعنى : أهلكنا أهلها وبياتا حال منهم أي : مبيتين و أو هم قائلون ( الأعراف : 4 ) جملة معطوفة عليها ، ومحلها النصب .
وأنكر مراعاة المحذوف ، وأول ما سبق على أنه من باب الحمل على المعنى ، ونقله عن المحققين ; لأن القوم جماعة ولهذا يؤنث تأنيث الجمع ، نحو : هي الرجال ، وجمع [ ص: 223 ] التكسير عندهم مؤنث ، وأسماء الجموع تجري مجراها ، وعلى هذا جاء التأنيث ، لا على الحذف ، وكذا القول في البيت . الشلوبين
وفي قراءة بعضهم : ( والله يريد الآخرة ) ( الأنفال : 67 ) قدروه " عرض الآخرة " والأحسن أن يقدر : " ثواب الآخرة " ; لأن العرض لا يبقى بخلاف الثواب .