الثالث
بالعلة والسببية
كتقديم " العزيز " على " الحكيم " ؛ لأنه عز فحكم ، وتقديم " العليم " على " الحكيم " ؛ لأن الإتقان ناشئ عن العلم ، وكذا أكثر ما في القرآن من تقديم وصف العلم على الحكمة ؛ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( البقرة : 32 ) .
ويجوز أن يكون قدم وصف العلم هنا ليتصل بما يناسبه وهو لا علم لنا ( البقرة : 32 ) ويجوز أن يكون قدم وصف العلم هنا وفي غيره من نظائره ؛ لأنه صفات ذات فيكون من القسم قبله .
ومنه قوله : إياك نعبد وإياك نستعين ( الفاتحة : 5 ) قدمت العبادة لأنها سبب حصول الإعانة .
[ ص: 318 ] وقوله : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( البقرة : 222 ) فإن التوبة سبب الطهارة .
وكذا ويل لكل أفاك أثيم ( الجاثية : 7 ) لأن الإفك سبب الإثم .
وكذا وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ( المطففين : 12 ) .
وقوله : وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ( الفرقان : 48 - 49 ) قدم إحياء الأرض لأنه سبب إحياء الأنعام والأناسي ، وقدم إحياء الأنعام لأنه مما يحيا به الناس بأكل لحومها وشرب ألبانها .
وكذا كل علة مع معلولها ؛ كقوله : واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( الأنفال : 28 ) قيل : قدم الأموال من باب تقديم السبب ، فإنه إنما شرع النكاح عند قدرته على مئونته فهو سبب والتزويج سبب للتناسل ، ولأن المال سبب للتنعيم بالولد ، وفقده سبب لشقائه .
وكذا تقديم النساء على البنين في قوله تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ( آل عمران : 14 ) وأخر ذكر الذهب والفضة عن النساء والبنين ؛ لأنهما أقوى في الشهوة الجبلية من المال ، فإن الطبع يحث على بذل المال فيحصل النكاح ، والنساء أقعد من الأولاد في الشهوة الجبلية ، والبنون أقعد من الأموال ، والذهب أقعد من الفضة ، والفضة أقعد من الأنعام ؛ إذ هي وسيلة إلى تحصيل النعم ، فلما صدرت الآية بذكر الحب ، وكان المحبوب مختلف المراتب ، اقتضت حكمة الترتيب أن يقدم ما هو الأهم فالأهم في رتبة المحبوبات .
[ ص: 319 ] وقال في قوله تعالى : الزمخشري ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ( النساء : 147 ) قدم الشكر على الإيمان ؛ لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما ، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا متصلا ، فكان الشكر متقدما على الإيمان ، وكأنه أصل التكليف ومداره . انتهى .
وجعله غيره من عطف الخاص على العام ؛ لأن الإيمان من الشكر ، وخص بالذكر لشرفه .