التاسع
سبق ما يقتضي تقديمه
وهو دلالة السياق ؛ كقوله تعالى : ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ( النحل : 6 ) لما كان إسراحها وهي خماص ، وإراحتها وهي بطان ، قدم الإراحة ؛ لأن الجمال بها حينئذ أفخر .
وقوله : وجعلناها وابنها آية للعالمين ( الأنبياء : 91 ) لأن السياق في ذكر مريم في قوله تعالى : والتي أحصنت فرجها ( الأنبياء : 91 ) ولذلك قدم الابن في غير هذا المكان . قال تعالى : وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( المؤمنون : 50 ) .
وقوله : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ( الأنبياء : 79 ) فإنه قدم الحكم مع أن العلم لا بد من سبقه للحكم ؛ ولكن لما كان السياق في الحكم قدمه ، قال تعالى : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ( الأنبياء : 78 ) ويحتمل أن يكون المراد بالحكم الحكمة ، وبها فسر قوله تعالى في سورة الزمخشري يوسف : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما ( يوسف : 22 ) وأما تقديم ( الحكيم ) على ( العليم ) في سورة الأنعام ، فلأنه مقام تشريع الأحكام ، وأما في أول سورة يوسف فقدم ( العليم ) على ( الحكيم ) ، لقوله في آخرها : وعلمتني من تأويل الأحاديث ( يوسف : 101 ) .
[ ص: 333 ] ومنه تقديم المحو على الإثبات في قوله تعالى : يمحوا الله ما يشاء ويثبت ( الرعد : 39 ) فإن قبله : لكل أجل كتاب ( الرعد : 38 ) ويمكن أن يقال : ما يقع عليه المحو أقل مما يقع عليه غيره ، ولا سيما على قراءة التشديد " يثبت " فإنها ناصة على الكثرة ، والمراد به الاستمرار لا الاستئناف .
وقوله : ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته ( الشورى : 24 ) .
ومنه قوله تعالى : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا ( الرعد : 38 ) قدم ( رسلا ) هنا على " من قبلك " وفي غير هذه بالعكس ؛ لأن السياق هنا في الرسل .
ومنه قوله تعالى : والله يقبض ويبسط ( البقرة : 245 ) قدم القبض لأن قبله : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( البقرة : 245 ) وكان هذا بسطا ، فلا يناسب تلاوة البسط ، فقدم القبض لهذا وللترغيب في الإنفاق ؛ لأن الممتنع منه سببه خوف القلة ، فبين أن هذا لا ينجيه ، فإن القبض مقدر ولا بد .